بعيدا عن هذا الذي خرج به علينا أحد الباحثين عن الشهرة مطالبا بهدم الأهرامات وأبو الهول.. لأنني أعتبر ماقاله نوعا من الهراء والعبث أو اللامعقول الذي لايستحق الرد وحتي لا تتحقق له الشهرة التي يريدها.. فهذا كلام يرفضه أي منطق وأي شخص عاقل في مصر طفلا كان أو رجلا وقبل ذلك كله فنحن لم نسمع أبدا عن أحد يعبد الأهرامات وأبو الهول إلا إذا كان مجنونا فضلا عن أن تلك الآثار أو الحضارة التي يتحدث عنها ليست ملكا للمصرين فقط بل هي تراث بشري وملك للانسانية كلها. المهم.. ماأريد أن أتحدث عنه اليوم بمناسبة الحديث عن الآثار تلك العلاقة الملتبسة عند المصريين بين زيارة الآثار والسياحة وأن السياح لا يأتون الي مصر للسياحة إلا من اجل مشاهدة أو زيارة الآثار وأن الذي يدفعهم الي مصر تحديدا هو ابو الهول والأهرامات والأقصر ونجد ذلك من آثار مصر الخالدة. ونحن تقول ربما كان ذلك صحيحا حتي منتصف القرن الماضي أو حتي الربع الأخير منه.. لكن الآن تغيرت الدنيا وتغيرت توجهات السائحين الي مصر والعالم ولم تعد الآثار هي الدافع الأول لزيارة مصر.. بل أصبح لزاما علينا خاصة المهتمين بالآثار أن نتخلص من هذا الوهم للأسباب التالية: 1 مع كل الاحترام والتقدير والاجلال لآثار مصر العظيمة والخالدة التي خلفتها حضارة عظيمة إلا اننا علينا أن نعترف أن دولا كثيرة في العالم فيها آثار ايضا تستحق الزيارة في الصين والعراق واليونان والاردن وايران وايطاليا وتركيا وغيرها.. صحيح ان آثار مصر فريدة وأروع وأكثر عدوا لكن علينا أن نعترف اننا نعيش أسيري مقولات خاطئة مثل أن مصر تمتلك ثلث آثار العالم.. فهذا غير صحيح ولا يوجد إحصاء في العالم يقول بذلك.. ومقولة لا تقلقوا وأن السياح جايين.. جايين إلي مصر دون مجهود علشان الآثار ولا داعي لحملات الترويج والتسويق.. وأن مصر ام الدنيا.. كل هذا أصبح كلاما غير صحيح وغير مقبول في العصر الحديث الذي لا تتحرك فيه السياحة سياحة الملايين إلا بالاعلام والحملات والاتصالات لأنه كما أوضحنا فالعديد من دول العالم تمتلك آثارا رغم اعترافنا أن آثار مصر أروعها وأعظمها لكن الكل يحاول جذب السياحة لدعم الاقتصاد وتوفير فرص العمل. 2 أن علينا أن نتأكد أن زيارة الاثار هي زيارة المرة الواحدة بمعني من يزور الهرم مرة لن تكون لديه الرغبة في الزيارة مرة ثانية بعكس السياحة الشاطئة كما أنه من المعلوم أن تكرار الزيارة هو الاساس في زيادة أعداد السائحين واستمرار تدفق السياحة وهو ماتحققه السياحة الشاطئية.. 3 أن العالم تغير وكله مع هموم العصر الحديث والرغبة في تكرار الإجازات ومع سهولة التنقل بالطيران وغيره بات العالم أكثر حرصا علي اجازات الاستجمام أو السياحة الشاطئية والترفيهية أي الاتجاه إلي البحر والشمس والرمال.. 4 أن ارقام منظمة السياحة العالمية تؤكد هذا الاتجاه خاصة في السنوات الأخيرة حيث تشير الأرقام الي أن عدد السياح في العالم بلغ العام الماضي نحو مليار سائح وهذا الرقم يتجه منه نحو من75% الي80% إلي السياحة الشاطئية والترفيهية وأن15% فقط للسياحة الثقافية والباقي من5% إلي10% الي انواع اخري من السياحة مثل المؤتمرات والسفاري والعلاجية والجولف وغيرها. 5 معني ذلك أن مجمل الحركة السياحية العالمية التي تأتي الي مصر تتوجه إلي الشواطيء الغردقة وشرم الشيخ مثل العالم وهو ماتؤكده الأرقام.. وطبعا أنا أدرك أن السياحة الثقافية والآثرية في مصر طبقا لارقام2010 تصل الي نحو25% أي اننا أكثر من العالم بسبب روعة آثار مصر لكن يظل في النهاية أن السياحة تأتي لمصر بالملايين إلي الشواطيء وليس الآثار يعني الرقم الذي حققته مصر في2010 وهو14.7 مليون سائح ذهب منه نحو25% فقط للسياحة الثقافية. مامعني ذلك؟ معني ذلك ببساطة أن الذين يعيشون في وهم ان السياحة قادمة.. قادمة الي مصر من أجل الآثار مخطئون بل هم غارقون في الوهم خاصة مع سوء الخدمات في مصر وصعوبة وكثرة مشاكل زيارة الآثار في مصر.. وعليهم أن يعرفوا أن صورة زيارة الآثار ليست وردية أو ليس الاقبال عليها كما يتصورون.. وما أقصده هنا تحديدا هم رجال الآثار ولذلك أنا اطالب الدكتور محمد ابراهيم وزير الدولة للآثار بالتنسيق مع السيد هشام زعزوع وزير السياحة لتنشيط السياحة الثقافية والآثرية في مصر من خلال رفع الوعي الاثري والخدمات السياحية في مناطق الآثار ومن خلال وضع برامج تساعد في زيادة اعداد السياح الراغبين في زيارة آثار مصر. وذلك من خلال حملات مشتركة والتفاهم مع شركات السياحة. وأنا هنا أشير إلي ماقام به وزير السياحة في بورصة لندن من محاولة تنشيط السياح الي الأقصر ومناطق الآثار بشكل عام وماينظمه اليوم بالتعاون مع السفير الدكتور عزت سعد محافظ الأقصر بشأن الاحتفال بذكري مرور90 عاما علي اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ أمون وعودة حفيد اللورد كارنافون وزوجته لزيارة الأقصر وماستحدثه من اهتمام إعلامي سيكون له مردود في زيادة اعداد السائحين الي الاقصر خاصة من انجلترا. لكن تبقي مجموعة من القضايا تستحق التنسيق أو القرارات العاجلة بين الآثار والسياحة اذا كنا نريد عودة تدفق السياحة الي المناطق الأثرية وتساعد شركات السياحة في بيع تذاكر أو برامج الآثار للسياح وبالطبع العائد للآثار قبل السياحة ولذلك. 1 نطالب وزير الآثار بضرورة تأجيل زيادة رسوم زيارة الآثار الي بداية موسم الصيف علي أقل تقدير وهو مايو أو يونيو المقبل والافضل بالطبع أول موسم الشتاء اول نوفمبر.. لأن زيادة اسعار التذاكر يدفعها السائح وجميع البرامج التي ستبدأ في يناير تم بيعها وبالتالي ستتحملها شركات السياحة وهذا سيحدث ارتباكا ولن يدفعها السائح واعتقد انه من الأفضل التأجيل حتي تطبع في برامج الصيف ويكون السائح علي علم بها ويتحملها وبرامج الصيف يجري الاعداد لها من أول العام المقبل. 2 في اطار السعي لزيادة دخل الآثار في الاقصر اعتقد ان وزارة الآثار عليها نقل نموذج مقبرة توت عنخ آمون التي اهداها الاتحاد الأوروبي الي مصر للاقصر واقترح أن توضع بجوار استراحة كارتر في البر الغربي برسوم لمن يرغب في زيارة الاستراحة والنموذج اما المقبرة الاصلية فيتم رفع تذكرتها الي100 دولار أو200 دولار مثل مقبرة نفرتاري, وذلك حفاظا عليها من كثرة اعداد السائحين, وماينتج عن ذلك من اضرار.. 3 أن التفكير المستمر في زيادة اسعار تذاكر الآثار غير منطقي لأن اجمالي المناطق التي يزورها السائح في مصر كثيرة وبالتالي الاجمالي يكون مبلغا كبيرا والسائح لا يدفع ويختصر عدد الزيارات لأنه من غير المعقول أن تكون اسعار الزيارات اضعاف ثمن الرحلة كلها في ظل انخفاض الاعداد التي تزور الآثار طبقا لما أشرنا إليه من ارقام منظمة السياحة العالمية. ونحن نري أن الآثار اذا كانت ترغب في زيادة مواردها بالطبع للترميم ولبناء متاحف فهناك طرق اخري يجب التفكير فيها وتحقق دخلا كبيرا منها علي سبيل المثال المعارض الاثرية في الخارج ولا داعي للخوف من هذه القضية فالمعارض أصبحت من مظاهر العصر الحديث وكل الدنيا تلجأ للمعارض وكنوز العالم الأثرية من كل الدول تطوف العالم في معارض وتحقق دخلا لدولها وماخصصه معرض توت عنخ أمون في امريكا من دخل يتعدي100 مليون دولار خير مثال.. ولا أريد الاطالة في هذه القضية!! في النهاية.. التنسيق بين الآثار والسياحة ضرورة لصالح الآثار قبل السياحة واحكام العقل والمنطق والمصلحة العامة هو الفيصل.. والنظر الي مايحدث في العالم يضيء الطريق الي الطريق الصحيح.. ولا داعي أن نعيش في وهم أن الآثار هي التي تجذب السياح الي زيارة مصر, وأرقام السياحة العالمية تشير الي الطريق الصحيح الذي يؤكد أن75% من السياح في العالم يذهبون الي الشواطيء وليس الي الآثار!! وليس معني ذلك أننا نطالب باهمال الآثار وعدم الاهتمام بجذب السياحة اليها بل العكس انا أرغب أن تزداد اعداد السائحين الي الآثار خاصة في مصر وأن ترتفع نسبتها اكثر من العالم فإذا كانت قد انخفضت الي15% عالميا فلا يجب ان ينطبق ذلك علي مصر.. بل يجب ان تظل عنصر جذب فريدا لما تتميز به من خلود وعظمة وترتفع نسبتها الي ضعف ماهو موجود في العالم.. فقط نحن نقول: انتبهوا يا أولي الألباب لما يحدث في العالم!! المزيد من مقالات مصطفى النجار