مظاهرات الاحتجاج التي نظمتها النقابات العمالية في23 دولة أوروبية الأربعاء الماضي لم تجسد فقط حالة الغضب الجماعي, بل كانت بمثابة بارومتر يقيس اقتراب الشعوب من نقطة نفاذ الصبر. ويكشف الشرخ العميق حول سياسات التقشف بين دول الشمال التي تتمسك بها كمخرج وحيد لأزمات منطقة اليورو ودول الجنوب التي تري أنها تدفعها إلي نفق مسدود وتسرق مستقبل شبابها. الإنذار وصل جزئيا إلي الحكومات التي يبحث وزراء ماليتها اليوم مد أجل تنفيذ الاصلاح المالي في اليونان عامين, والتغاضي عن بعض الاستقطاعات المتفق عليها في الميزانية الأسبانية والبرتغالية في التوقيتات الزمنية المحددة. لكن الهوة لا زالت شاسعة بين رؤية ألمانية تدعمها المفوضية الأوروبية بشأن حتمية خفض عجز الموازنات ومستويات الدين العام واصلاح أسواق العمل وبرامج المعاشات في الطرف الجنوبي حتي تضيق الفجوة التنافسية بينها وبين دول الشمال, واقتناع الطرف الآخر بأن سياسات التفشف المفروضة من الشمال تؤدي فقط إلي استشراء معدلات بطالة تصل إلي 25% وانكماش بلا نهاية يمزق المجتمعات. الدليل علي عدم جدوي التركيز علي التقشف وحده هو دخول الانكماش اليوناني عامه السادس والأسباني الشهر ال15 دون شفاء من العلل, بل وتدهور المؤشرات الاقتصادية في قلب منطقة اليورو باستثناء ألمانيا وفرنسا مما أدخل المنطقة في مرحلة ركود فعلي للمرة الثانية منذ تفجر الأزمة المالية العالمية. الجدل ليس حول أهمية التقشف لكن في غياب الطرف الآخر من المعادلة الذي يجعل الاصلاح محتملا إنسانيا وقابلا للاستمرار وهو توفر استراتيجيات محفزة للنمو. التحذير من خروج قطار الاصلاح عن قضبانه بسبب تمرد الشعوب عليه جاء علي لسان مسئول كبير في صندوق سيادي صيني رأسماله يتجاوز 400 مليار دولار ولهذا فهو يستحق أن نهتم به في خططنا الاصلاحية وكذلك دعوة كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي للتشاور مع المجتمع المدني والأحزاب والنقابات لأنها وحدها الكفيلة بعلاج الشرخ العميق بين الحكومات والشعوب. المزيد من أعمدة سجيني دولرماني