التساؤلات كثيرة حول الاسباب التي دفعت الرئيس بوتين الي العودة مجددا الي رفع لواء مكافحة الجريمة, بل والتضحية بوزير دفاعه علي مذبح حملته الجديدة. ورغم ما قاله بوتين ورئيس حكومته ميدفيديف حول مآثر الوزير خلال فترة قيادته لوزارة الدفاع, فان ما تناثر من اخبار, ومنها ما يتعلق بفضائح نسائية ومالية,يقول ب منهجة الحملة وبتوقع المزيد من الفضائح والضحايا, في نفس الوقت الذي ثمة من يقول فيه ان الحملة تستهدف احتواء الاخطار التي تهدد النظام السياسي.كانت الملايين من ابناء الوطن سئمت الشكوي من تفاقم مشكلة الفساد دون نتيجة تذكر. ولكم اعترف بوتين ورئيس حكومته ميدفيديف علي مدي سنوات طوال بان هذه المشكلة هي الاخطر التي تستعصي علي الحل رغم اعترافهما اكثر من مرة بانها تهدد الامن القومي, فيما حذر آخرون من مغبة استفحالها بعد ان وضعت الاحصائيات الرسمية العالمية روسيا في المرتبة ال126 متجاورة مع نيجيريا وسيراليون في قائمة الدول الاكثر فسادا. واعاد المراقبون الي الاذهان ما جاء في التقرير السنوي الذي اصدرته مؤخرا وكالة الايدي النظيفة حول ان الفساد في روسيا تزايد في آخر سنوات حكم الرئيس السابق ميدفيديف بنسبة خمسة اضعاف, رغم انه استهل سنوات حكمه في الكرملين برفع شعار الحرب ضد الفساد.وقالت صحيفة ار. بي. كا. ديلي المتخصصة في شئون المال والاعمال ان الرشاوي التي تقدم للمسئولين في موسكو ازدادت خلال السنة الاخيرة بمقدار خمسة اضعاف وان حجم الفساد يتعدي العشرين مليار دولار شهريا. وكشف التقرير الصادر عن الوكالة عن ان اقتصاد الظل في روسيا توقف عن النمو ليس بفضل التشريعات والإجراءات الرامية الي الحد منه, بل لانه بلغ حدوده القصوي واصبح استمرار نموه يهدد بانهيار المنظومة السياسية القائمة, فيما اكد ان52% من الناتج القومي الروسي يجري تداوله في ظل الرشوة والفساد. وقد جاءت فضيحة الفساد في وزارة الدفاع لتلقي في المياه الراكدة بالمزيد من احجار التساؤلات حول الاسباب الحقيقية لإثارة هذه القضية بكل اطيافها التي تطال سمعة ومكانة الكثيرين من اعضاء النسق الاعلي للسلطة ومعظمهم من اقرب اعضاء فريق بوتين, في نفس الوقت الذي بادرت فيه الدولة بإثارة فضائح اخري مماثلة في وكالة الفضاء وعدد آخر من الوزارات والمؤسسات التي كانت حتي الامس القريب في عداد قدس الاقداس. وتتزايد حدة هذه التساؤلات مع كل تقرير او فيلم وثائقي جديد يتناول فضائح وزير الدفاع الذي طالما كان في صدارة قائمة اصحاب المعالي حملة الحصانة البوتينية, وهو ما لم يكن من الممكن الكشف عنه دون موافقة ضمنية من الكرملين. وبهذا الصدد ثمة من يقول ان الحملة التي تستهدف تطهير وزارة الدفاع من رموز الفساد و محظيات وزيرها علي حد تعبير الكثير من الصحف الروسية, تاتي مع غيرها التي طالت غيرها من مؤسسات الدولة في اطار استرتيجية اعادة ترتيب البيت من الداخل. وبهذا الصدد اشار جيورجي ساتاروف رئيس مؤسسة اينديم للدراسات السياسية والاسترتيجية في حديثه الي اذاعة كوميرسانت اف ام الي ان بوتين يبدو غير راض عن منظومة الادارة, معيدا إلي الأذهان ما سبق واتخذه من قرارات شملت تغيير رؤساء الجمهوريات والمقاطعات عقب حادث اختطاف الرهائن في مدرسة بيسلان في عام2004 بعد الغاء نظام انتخاب المحافظين والتحول الي نظام تعيينهم. وكان قد اشار آنذاك الي سلبيات نظام الانتخاب الذي اتاح للكثيرين من رموز الفساد والجريمة المنظمة التسلل الي قمة السلطات التنفيذية والتشريعية. وألمح ساتاروف الي ان الاسباب الحقيقية لما يشهده عدد من الوزارات ومنها وزارتا الدفاع والتنمية الاقتصادية من تغييرات لا تكمن في الفساد, بقدر ما تعود الي المخاوف من تغير التوجهات والحاجة الي اعادة بناء البيت من الداخل. واعرب عن وجهة نظر متقاربة جليب بافلوفسكي رئيس مؤسسة السياسة الفعالة الذي نقلت عنه الصحيفة المستقلة قوله: ان بوتين يحاول الامساك بزمام امور النسق الاعلي للسلطة خشية من جانبه ان يتحول الي قوة ذاتية بعيدة عن مرمي بصره وخارج دائرة سيطرته. غير انه من غير الممكن كذلك التطرق الي مثل هذه القضايا دون الاشارة الي التركيبة السلطوية التي تقوم في معظمها علي نظام الولاء والعشائرية وهو ما اعتمده النظام منذ جاء بالاغلبية الساحقة من اركانه من سان بطرسبورج ومؤسسات القوة وفي مقدمتها اجهزة الامن والمخابرات ووزارتا الدفاع والداخلية. ولعل ما شهدته روسيا مؤخرا من تعيينات في قمة النسق الأعلي للسلطة تقول بذلك سواء بالنسبة لتعيين وزير الدفاع الجديد جنرال الجيش سيرجي شويجو أو توقف الأخير عند ابن صديقه ونائبه في وزارة الطوارئ لتعيينه خليفة له في موقعه السابق كمحافظ لمقاطعة موسكو. وما دام الشئ بالشئ يذكر فاننا نشير الي ان وزير الدفاع السابق بدأ رحلة صعوده الي السلطة من مجرد تاجر موبيليا الي قمة وزارة الدفاع, بفضل صهره( والد زوجته يوليا) فيكتور زوبكوف رئيس الحكومة الاسبق الذي عمل مع بوتين في بلدية سان بطرسبورج في مطلع تسعينيات القرن الماضي. ونتوقف عند هذا الحد في انتظار حلقات جديدة في مسلسل فضائح الفساد الذي ثمة من يقول انه بات اشبه بمسلسلات الصابون التي تعتمد عليها الكثير من الانظمة لصرف انظار مواطنيها بعيدا عن هموم العصر.