وفقا للقاعدة التي تقول ان العمل العسكري هو إحدي ادوات تنفيذ السياسة فإن الحرب الجارية في غزة الان حققت ودون ان يتم حسمها علي الارض جملة من الاهداف السياسية التي سعي اليها الطرفان المتحاربان. وبناء عليه فان استمرارها او توسيعها قد لا يكون ضروريا او مفيدا لكليهما. وبالتالي فإن الهدنة في هذا التوقيت تبدو الخيار الافضل الذي يخدم مصالح كل الاطراف بما فيها الوسطاء والمحايدون حتي المتفرجين من الحكام العرب. بات واضحا منذ الحرب الاسرائيلية ضد حزب الله في 2006 مرورا بعملية الرصاص المصبوب ضد حماس في اواخر 2008 بل طوال سنوات احتلال الجنوب اللبناني انه لم يعد بمقدور اسرائيل انزال هزيمة ساحقة بهذه التنظيمات المسلحة. تعرف اسرائيل هذه الحقيقة قبل بدء معركتها الحالية. وربما تستوعبها الان اكثر بعد ان تبين ان حماس نجحت خلال الاعوام الثلاثة الماضية في تحقيق نقلة استراتيجية هائلة في قدراتها التسليحية بامتلاك صواريخ فجر5 والدفاعات المضادة للطائرات والآليات. ليس بوسع اسرائيل ان تقضي تماما ونهائيا علي هذه القدرات دون اجتياح بري واسع. غير ان هذا الخيار يمثل مخاطرة كبيرة لها بسبب ما يؤدي اليه حتما من خسائر بشرية. وقد لا يعني سقوط اعداد كبيرة من القتلي الفلسطينيين شيئا بالنسبة لها. إلا انه سيحرج حلفاءها الغربيين بسبب ضغط الرأي العام العالمي. اما سقوط قتلي اسرائيليين سواء من الجنود او المدنيين فيعني تدهور فرص نيتانياهو في انتخابات يناير المقبل. وبالنظر الي تحسن القدرات العسكرية لحماس مقارنة بحرب 2008 فإن أي اجتياح بري للقطاع ستصحبه معارك ضارية قد تجد اسرائيل نفسها مضطرة في النهاية وردا علي خسائرها المتوقعة وحفاظا علي هيبتها وعلي المستقبل السياسي لنيتانياهو الي المضي بعيدا في تدمير حماس تدميرا كاملا. وهو ما لا يصب في صالحها هي لأنه من ناحية سيترك غزة فريسة للمنظمات الفلسطينية الاكثر تشددا. ومن ناحية اخري سينهي عمليا الانقسام الفلسطيني بين السلطة في الضفة وحماس في غزة. حماس بدورها تعلم ان المكاسب السياسية التي تسعي اليها يمكن ان تتحقق الان دون حاجة لمواصلة القتال. حصلت الحركة بالفعل علي تعاطف شعبي داخليا بوصفها قوة المقاومة الحقيقية في مواجهة ما تعتبره استسلاما للسلطة بزعامة ابو مازن. وخارجيا وفرت الحرب للحركة فرصة جيدة لتدشين وجودها الاقليمي كقوة مستقلة بعد ان خرجت من العباءة السورية بإغلاق مكاتبها هناك. وبات بمقدرها ان تكسب اصدقاء جددا في مصر وتركيا وقطر وتونس وغيرها. وستوفر لها الاتصالات مع اسرائيل عبر مصر فرصة ممتازة للوصول الي صفقة مع القاهرة. اذ من المؤكد ان تطلب مقابلا لوقف اطلاق الصواريخ يتضمن رفع القيود علي انتقال الأفراد والبضائع عبر رفح وبدء مناقشة جادة لاقتراحها بإقامة منطقة حرة. وتعلم حماس ان الرئيس مرسي الذي اعتبر الكثيرون ان هذه الحرب اول اختبار اسرائيلي له سيسعده تلبية مطالبها وقفا للعدوان الذي يسبب حرجا حقيقيا للقيادة المصرية. ولا مانع من ان تحصل مصر ايضا علي مقابل من حماس يتمثل في استخدام نفوذها لدي الجماعات الفلسطينية وامتداداتها الجهادية في سيناء لضمان الأمن هناك. ما سبق يعني انه اذا توقف القتال الآن ستقول اسرائيل انها نجحت في منع اطلاق الصواريخ علي مدنها وأدبت حماس ثم تعلن انتصارها. المقاومة بدورها ستحتفل بدحر العدوان وفشل اسرائيل في تحقيق اي انجاز ثم تعلن هي الاخري انتصارها. ولا بأس ان تعتبر مصر ايضا ان التوصل الي هدنة انتصار لدبلوماسيتها الهادئة. ولا مانع ان تستثمر واشنطن النتيجة لتسويقها كانتصار جديد في الحرب ضد الارهاب. الكل انتصر اذن غير ان الشعب الفلسطيني المنكوب هو الذي دفع الثمن وحده. المزيد من مقالات عاصم عبد الخالق