لم يعد مقبولا الصمت علي ما يثار اليوم في الساحة المصرية وفي المنابر الاعلامية والمواقع الالكترونية وتذيعه نشرات الاخبار وتناقشه البرامج الحوارية حول السلفيين وأفكارهم وتصوراتهم ومواقفهم حيال قضايا المجتمع بصفة عامة والقضايا الدينية علي وجه الخصوص. فما نشر خلال الاسبوع الماضي بشأن حادثة اقتحام نفر من السلفيين مكانا تابعا لإحدي الكنائس في حي شبرا الخيمة بالقاهرة لتحويله الي مسجد, ومن قبلها الادعاء الذي نشر حول تدخل السلفيين لالغاء حفل غنائي في المنيا, وغيرها الكثير التي معظمها لا اساس لها من الصحةفضلا عن اتهام السلفية ببعدها عن الواقع وعدم فهمها او استيعابها له (علي غير الحقيقة) يجعل اثارة الموضوع ومناقشته فرضا واجب. فصحيح انه في كل مرة تخرجالدعوةالسلفية للتعبير عن موقفها ورفضها مثل تلك الادعاءات الباطلة التي لا علاقة لها بجوهر الفكر السلفي كما حدث مؤخرا في حادثة اقتحام الكنيسة حيث عبر الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية بوضوح عن رفضه لذلك التصرف واستنكاره لكل وقائعه, ومن قبل ذلك اوضح بشأن حادثة المنيا أن هؤلاء الشباب ليسوا علي دراية بالضوابط الشرعية التي تحكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كذلك هناك اتهامات جزافية علي غير لم يكن لها اي اساس او اصل ثبت بالتحقيق القضائي الرسمي براءة السلفيين منها تماما مثل الاعتداء علي الاضرحة وحادثة ابوكبير التي راح ضحيتها الشقيقان المغنيان, مما يدعونا لتشكك حول مصدر الصاق التهم بهذا التيار الذي شهد له الجميع بأنه تيار واضح في معاملاته وادبياته. ولكن رغم كل ذلك, ما زالت التصورات الذهنية لدي البعض عن السلفية والفكر السلفي يختلط فيه الحابل بالنابل, وهو ما يوجب توضيح مجموعة من الحقائق عن الفكر السلفي الصحيح, وذلك علي النحو التالي: أولا- السلفية الصحيحة هي اتباع منهج النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه;عقيدة وقولا وعملاوسلوكاوائتلافا واختلافا واتفاقا وتراحما وتوادا, فهي نسبة إلي السلف الصالح, وهم أهل القرون الثلاثة المفضلة, كما جاء في الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه: خير الناس قرني, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم, فمن سار علي نهجهم واقتفي أثرهم, فهو سلفي. هو ما يعني بجلاء أن للدعوة السلفية اصلين, هما: الأول: هو العودة الي العقيدة الصحيحة المأخوذة عن النبي صلي الله عليه وسلم وأصحاب القرون الثلاثة المفضلة والتي منها توحيد الله- سبحانه وتعالي- توحيدا صافيا من كل شرك, فالتوحيد هو الأصل الأول, وأصل الأصول عند السلفيين, وهو المقدم عندهم, لقوله تعالي:وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون. الثاني: الاتباع, وهو تحقيق شهادة أن محمد, رسول الله وهي تعني طاعته فيما أمر, واجتناب ما نهي عنه وزجر, وألا يعبد الله إلا بما شرع علي لسان رسوله صلي الله عليه وسلم مع محبته وتوقيره واتباعه والسير علي دربه واقتفاء أثره لقوله تعالي:قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم. ثانيا- يتمثل المقصد الرئيسي للدعوة السلفية في العودة الإسلام الصافي النقي من أدران الشرك والخرافات والبدع والمنكرات, مع العمل علي تعزيز شخصية المسلمبمفهوم الولاء والبراء ونبذ التعصب للأشخاص والأسماء واللافتات(قاعدة عقد الولاء والبراء للدين لا لجماعة او حزب او للشخص), فضلا عن السعي إلي تأليف القلوب وجمع الكلمة وإخراج الأمة من الحزبيات الضيقة والولاءات المحدودة, إلي فضاء الإسلام وسعته وشموله علي قاعدة: يوالي الرجل ويحب علي قدر دينه, ويعادي ويبغض علي قدر معصيته. ثالثا- في ضوء تعريف الدعوة وتحديد مقصدها, يمكن القول أن السلفية الصحيحة تتركز علي ثلاثة اسس واضحة وجلية, وهي: 1-الأول:التمسك بالكتاب والسنة تمسكا واضحا وصحيحا بالفهم السديد للسلف الصالح والائمة المعتبرين, تطبيقا لقوله الله تعالي:من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولي فما أرسلناك عليهم حفيظا. 2-العدل والتراحم, تصديقا لقوله سبحانه:فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر, وهو ما يعني بوضوح الخطاب السلفي والدعوة السلفية تعتمد علي الرفق (في الأمر كله); في القول, والفعل, مع النفس, ومع الآخرين, مع كافة المدعوين; من المؤمنين, والمبتدعة, والكفار, إلا أن يكونوا محاربين, لقوله تعالي في صفة الصحابة:(أشداء علي الكفار رحماء بينهم), أي ان المسلم شديد علي الكافر المحارب للإسلام رحيم بأخيه المسلم ولو كان عاصيا وليس العكس. 3-تميز منهجها بالسعة والمرونة والشمول,كما كان حال الصحابة الكرام رضي الله عنهم حينما حققوا التوازن في حياتهم وفي تحمل التكاليف الشرعية فالناظر اليهم في جانب التعبد يراهم وكأنهم تفرغوا له دون سواه وفي الجانب الاخر من من حياتهم يراهم قاموا بعمارة الارض علي قواعد الاسلام من اصلاح للمجتمع وإقامة دول الاسلام بعدلها وسماحتها وقضائها علي كل اشكال الطغيان والفساد, فلا تختزل الدين كله وتقصره علي بعض المسائل وتجافي الأخري, فدين الإسلام دين يستوعب البشر والطاقات والأذواق والطبائع, ويوجه كل ذي فضل, ومنقبة, لسد ثغرة لا يسدها غيره, ويستعمله في إصلاح يليق به, وهو ما اوضحه قول شيخ الإسلام ابن تيمية:وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة, إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة, وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها, وإما لرأي رأوه, وفي المسألة نصوص لم تبلغهم, وإذا اتقي الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله تعالي:ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.وقال رحمه الله: (ان الله يقيم دولة الكفر لو كانت عادلة ويقصم دولالإسلام لو كانت ظالمة) وهذه المقولات وغيرها مما لايتسع المقام لذكرها تنفي عن السلفية التهمة الظالمة ببعدها وعدم فهمها او اسيعابها للواقع. رابعا- مما سبق يعني أن السلفية هي منهج في طريق السير علي هدي الإسلام, ومن ثم فلا توجد جماعة تمثل السلفية; وإنما يوجد أفراد وجماعات ينتسبون إلي السلفية ويسعون لتحقيق منهج السلف. وهو ما يعني وجود مساحة من الاختلاف بين هذه الجماعات علي المسائل الفقهية الخلافية أو المواقف السياسية المبنية علي تقدير المصالح والمفاسد; مع اتفاقهم علي الأصل الكلي والمنهج العام والذي لا يؤدي بالضرورة إلي اتفاقهم في الفروع والتفاصيل, وقد كان السلف الصالح يختلفون كثيرا في المسائل الفقهية وفي تقديرهم للمصالح والمفاسد, ولم يكن هذا سببا للطعن في أحد منهم ما دام أنه مستمسك بالأصول والمنهج الكلي, بل هذا دليل علي ثراء المنهج السلفي وتنوعه. وعلي هذا, فوقوع بعض المنتسبين إلي السلفية في بعض الأخطاء لا يجوز أن ينسب إلي السلفية; وإنما تنسب الأقوال والأفعال إلي قائلها أو إلي الجماعة التي تقررها, أخذا في الاعتبار ان يكون نقد هذه الاخطاء نقدا مقبولا ومعتبرا وعادلا. خلاصة القول إذا كانت هذه هي الاصول الثابتة التي تنبع منها الدعوة السلفية, وتلك هي الاسس التي ترتكز عليها, فهل من المعقول ان تنسب إليها مثل هذه التصرفات والسلوكيات التي تمثل خروجا واضحا وبينا عن اصولها واسسها. فتصحيح الرؤية وايضاح الحقائق مسئولية الجميع في انكار نسب هذه الممارسات المرفوضة دينيا واخلاقيا ومجتمعيا الي الدين الاسلام في الحنيف والي الدعوة السلفية الصحيحة. المزيد من مقالات عماد المهدى