كتبت:غادة الحلواني: أتذكر تلك الليلة الباردة.....؟ - ألو, مساء الخي........ آه كحتك وحشة...!! - فيه واحدة قريبة واحدة صاحبتي, أو كانت صاحبتي, في يوم علي الغدا, كحت برده كده, فقالت لها حماتها كحتك وحشة, مش عجباني, لازم تروحي للدكتور النهارده.... عارف ايه اللي حصل؟ أقولك... - لأ بقولك أنا ايه ما تقوليش. مش عايز أعرف.... كانت ليلة شديدة البرودة... يبدو أنك تتذكر الآن.... كان يجلس كما لو أنه مسترخ, فقد كانت ذراعه تلف كتفها وتلعب أنامله الطويلة السمراء بنهايات خصلات شعرها, بينما يده الأخري, تبحث في الموبيل مش عارف ازاي ده حصل, انا مش لاقي نمرتها في الدايل.... آه هي علي السبيد دايل.... ايه ده شايفه مين كمان علي السبيد دايل. طب بالذمة ليه أنا حطيت ده كمان... خلاص, علشان نخلص من حكايتها بقي.... التفت بعد أن رمي موبيله فوق الأريكة الأخري يقبلها, فأدارت وجهها و.... علي فكرة كحتك وحشة.... لازم تشوفي حل. نعم كانت ليلة شديدة البرودة, لجأت فيها إلي سريري مبكرا, وبينما أحكم الغطاء علي, وجدتك عندي.... لم أتردد لحظة وبدون أن اشرح لك, لم أسمح لك... لم أكن أتصور أن ينتهي حالي بك. - إزاي قدرتي تعملي معاه ده. هو ده ينفع, ينفع الواحد يا خد قرار في الحاجات ده.. أمال أنا ليه فشلت.. - يمكن عشان... عشان ماخدتيش قرار... قاومتي بس... لكن ماخدتيش قرار. لكنك, كنت تعرف أن قرارا واحدا معك لايكفي, كما أن مقاومتك وحدها لاتكفي. كان يجب أن أتخذ هذا القرار مع كل ليلة باردة تمر بي..... و كانت هذه المرة ليلة صقيع.... دخلت في غفلة مني... تسللت.... آه... كحتك وحشة....قوي لعلي لو كنت أخبرتك بأسبابي لم تكن ستسمح لنفسك بالتسلل.. أن يسود الاعتقاد الوهمي بالخيانة. والخيانة تعني الضعف. والضعف يعني ألا تحتمل سوي نقاش واحد علي أثره ستعود إلي غرفتها القديمة. ستبدأ حياتها الجديدة معه في غرفتها القديمة, مرحبا به من الجميع علي الأخص أبوها وأمها. هذا الترحيب سينفي سؤالها نفيا دائما. لن تحاول أبدا طرده بعد الآن, أو التخفيف من حضوره الطاغي: هل تستطيع حقا في ظل شعورها بالخيانة؟ لعلها في لحظة من لحظات وجودها بين اليقظة والنوم تدرك إجابة عن سؤالها لماذا اختارها; أي لماذا صمم علي اختيارها؟ وفي حضوره الطاغي ستصبح قدماها قطعتي ثلج, لكنه أبدا لم يسمح لها أن تفقد إحساسها بهما, لن يصلا إلي درجة التخدير أو التنميل الذي أصبح هاجسها الذي تسعي وراءه. في حضوره مع قدميها المثلجتين, ستدخل أمها ترحب به, فتحكي لها عن آلام القاولون والإمساك: ادنيت وكلت ساندوتشين طعمية من عند جاد, مقدرتش أقاوم الريحة.... مش هاكل بقي طول اليوم. مش عارفة أبوكي هيتغدي ايه..... ايه رأيك؟ ابعت أجيب سمك, ولا كباب وكفتة....إلخ...إلخ. في حضوره سيتكرر الحوار الذي تكرر سنوات عمرها التي اكتشفت الآن أنها قليلة بفضله طبعا ما الذي منعها أن تقول لأمها هاموت من البرد يا ماما؟ ما الذي منعها أن تطلب منها حاجة سخنة تشربها؟ في حضوره, سينظم أبوها زياراته إلي غرفتها: زيارتان في البداية, ومع ازدياد طغيان حضوره, سيجعلها ثلاث زيارات. الزيارة الأولي في الفجر: سيضئ أنوار الغرفة كلها, وينهضها من سريرها, بالرغم من أن قدميها مثلجتان, وسيحضر لها طبق مياه لكي تتوضأ, ثم يسندها لتصلي الفجر. بعدها وحتي شروق الشمس, سيسمعها وهي تسبح بعد أن تقرأ السور الذي يحددها لها من الكتاب المرتل. وبعد أن يطفئ أبوها النور ويغادر غرفتها, ستنظر إليه بطرف عينها, لاتزال تبحث عن شيء ما في عينيه... الزيارة الثانية مع صلاة العشاء, وتتكرر نفس الخطوات باستثناء أنه هو الذي يقرأ بصوته في كتابه المرتل: يؤكد علي كل حرف من الحروف. وقبل أن يغادر الغرفة يضع اسطوانة سي دي لقارئ آخر من البيت الحرام حتي موعد زيارته المقبل, في الفجر. هكذا في حضوره المرحب به من أبيها وأمها, لن تسمع إلا حروف الكتاب المرتل إما بصوت أبيها أو بصوت قارئ البيت الحرام. وستظل قدماها مثلجتين. في حضوره ستضمحل كل الأصوات الأخري التي سمعتها عبر سنوات عمرها, وتقتصر الحروف علي تشكيل كلمات الكتاب المرتل. في تلك اللحظة عندما يطفئ أبوها نور الغرفة, ستنهض من سريرها بسهولة هذه المرة, فقد وصلت قدماها إلي حالة التنميل, وستتجه إليه, إلي حضوره الطاغي ليلفها به إلي الأبد.