في الإعلام الدولي والأدبيات العالمية المعاصرة لاتجد حديثا عن التطرف والاعتدال بصورة دائمة وملحة إلا عندما يتعلق الأمر بالإسلام! لا أحد يتحدث عن متطرفين أو معتدلين في المسيحية أو اليهودية أو البوذية أو الهندوسية, مع أن غلاة النازية والوحشية الاستعمارية قتلوا عشرات الملايين في شتي أرجاء الأرض, وجربوا أبشع أنواع التعذيب وأحطها قبل قتل أهالي البلاد المسالمين( حملة أمريكا علي أفغانستان والعراق أودت بالملايين). والصهاينة في فلسطينالمحتلة استباحوا القوانين الدولية والأعراف الإنسانية في تعاملهم مع الفلسطينيين والعرب. لاريب أن الغرب الاستعماري ومعه الصهيونية العالمية يعلمان أن الإسلام هو عنصر المقاومة الذي لايهدأ ضد الممارسات الإجرامية للغزو الإجرامي والممارسات الوحشية التي تتجلي بأيديهما ضد الشعوب المستضعفة, لذا فإن تشويه صورة الإسلام بل استئصاله إن أمكن غاية من غايات الغرب والصهيونية معا. وقد كانت أحداث نيويورك الغامضة والادعاء الكاذب بامتلاك العراق أسلحة نووية من الأسباب المباشرة لاحتلال أفغانستان والعراق وتدميرها. ورافق ذلك دعاية صاخبة ضد الإسلام تحت مسمي مكافحة الإهارب والتطرف, ووصل الأمر إلي التدخل في أخص شئون الدول العربية والإسلامية ماليا وتعليميا وثقافيا وإعلاميا. وصار مصطلح التطرف والاعتدال أمرا واقعا تتداوله الصحف والإذاعات والقنوات المختلفة, فضلا عن المؤتمرات والندوات واللقاءات السياسية والفكرية والأدبية, والمقصود بالتطرف والاعتدال في اختصار شديد أن تتمسك بإسلامك فتكون متطرفا, وأن تفرط فيه وتكتفي بالعبادات بين أربعة جدران فتكون معتدلا, وإن كنت لا تسلم من سيف الاتهام بالتطرف لو واظبت علي صلاة الفجر, كما كان يفعل جهاز أمن الدولة قبل الثورة! إذا كان المواطن العربي يري أن أمريكا والصهاينة يمثلان خطرا أمنيا واقتصاديا وثقافيا, فإن بعض المجموعات والأشخاص مازالوا متيمين بالولاياتالمتحدة والصهاينة بالتبعية, وهو مايجعلهم يلقون بثقلهم وراء أمريكا والكيان الصهيوني ويرون فيهما منقذا للبلاد والعباد من خطر الإسلام والمسلمين علي الحضارة والحداثة والديمقراطية. في زيارة هيلاري كلينتون إلي مصر بتاريخ41 يوليو الماضي, وجه أحد الأشخاص رسالة إليها يطلب فيها أن تقف من التيار الإسلامي الفائز في الانتخابات التشريعية والرئاسية موقفا حازما علي أساس أنه لايوجد في المسلمين معتدلون, فكلهم من وجهة نظره متطرفون ولا يوجد إسلامي واحد معتدل علي وجه الأرض.... كما حذر من العواقب الكارثية كما يتصورها لسياسات التعاون الأمريكية مع الإخوان بوصفهم معتدلين, وينبه كلينتون ورئيسها أنهما لايعلمان إلا قليلا عن الإسلام وتاريخ المسلمين ومسيرة جماعة الإخوان المسلمين الوهابية منذ8291, وأجندتها التي من المستحيل أن تتغير(؟). هذا الشخص الذي سافر إلي أمريكا أكثر من أربعين مرة, وتحدث إلي أكبر مراكز الأبحاث وحاضر لدي العديد من كبري الجامعات. ولم يجد هناك أحدا يفهم بما فيه الكفاية الإسلام والإسلاميين, باستثناء عدو الإسلام والمسلمين برنارد لويس وبعض الناس, يقول: نحن أبناء وبنات مصر غير الإسلاميين وخمسة عشر مليون قبطي( ؟), الذين سيدفعون ثمنا مأساويا. ففشل الولاياتالمتحدة في أفغانستان والعراق يقول الكثير عن الآثار المترتبة علي السياسات المقررة من قبل هؤلاء الذين لايعرفون شيئا عن خصائص أكثر الثقافات تعقيدا. إن هذا التحريض والاستقواء بعدو حقيقي علي الإسلام والمسلمين في مصر يمثل حالة غريبة وعجيبة ممن يدعون انتماءهم إلي التنوير والحداثة والديمقراطية, ويعني أنهم لايؤمنون بحرية الفكر أو الاعتقاد, ويؤكد أنهم لايعرفون شيئا عن التسامح أو قبول الآخر كما يزعمون ويرددون في كتاباتهم ومقولاتهم دائما. ثم إن هزيمة أميركا في أفغانستان والعراق تعني أن وحشية الغزو الاحتلال فشلت أمام إيمان الشعوب المستضعفة بحقها في الحرية والاستقلال, وليس كما يزعم صاحبنا صديق برنارد لويس أمام سياسات القادة في أمريكا التي تجهل تطرف المسلمين! لايوجد في الإسلام مسلم معتدل إزاء الاحتلال والنهب المتوحش من قبل الغزاة المعتدين اللهم إلا إذا كان خائنا لله ورسوله والأمه. وليس كما يقول من يصف نفسه بأنه كان المدير التنفيذي لأكبر شركة في العالم ويصر علي تحريضه الرخيص لأصحاب المناصب العليا في أمريكا, ويحذرهم من أسامة بن لادن آخر وقاعدة جديدة, ويوصي بشدة بترتيب فصول تعليم مكثفة بشأن أجندة الإخوان الحقيقة, والاستماع إلي كبار المتعصبين من أمثال برنارد لويس لتفادي الوقوع في خطأ آخر جسيم مثل خطأ عام9791 حينما كانت وكالة الاستخبارات المركزية تتعاون مع المخابرات السعودية علي إنشاء حركات المجاهدين لمحاربة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. أي إن المفكر الكبير كان يريد أن يستمر الاتحاد السوفياتي في محو أفغانستان المسلمة بالمطر الأصفر كي لايكون هناك وهو المسلم أسما مسلمون! يالها من حداثه وياله من تنوير, ويالها من ديمقراطية وقبول للآخر, وياله من اعتدال! هل يمكن أن نعد هذا مثالا صارخا علي الاستقواء بالعدو ضد الوطن والأشقاء, ونفسر به السعار المحموم لإسقاط الجمعية التأسيسة للدستور وإسقاط الرئيس والحكومة وتعطيل الدولة عن العمل والإنتاج, وصنع ديمقراطية علي مزاج الأقلية لنزع هوية الدولة وخصائصها الحضارية؟ المفارقة أن الإعلام الذي أقام الدنيا ولم يقعدها لأن مدرسة اتهمت بقص شعر تلميذتين, وأعلن عن محاكمة عاجلة للمتهمة, لم يشر بكلمة احتجاج ولو خافتة ضد من يدعو واشنطن علنا للتدخل في شئوننا! من الطبيعي أن نسمع أصواتا من أصول مصرية في واشنطن وغيرها من عواصم الغرب ترفض الإسلام والإسلاميين وتعدهم هنودا حمرا يجب استئصالهم بوصفهم إرهابيين مقنعين, ومجرمين رجعيين ومدمرين أكثر مما يمكن أن تتصور هيلاري كلينتون كما يقول صاحب رسالة التحريض والاستقواء; المفكر الكبير, ولكن هل هذا يعبر عن الحداثة والتسامح وقبول الآخر وحرية الفكر والتعبير؟ إن الإسلاميين والوطنيين لن يكونوا حلفاء طبيعيين, ولاكنزا استراتيجيا للولايات ولا غيرها, لأن السياسة الدولية الحقيقية ببساطة شديدة تعني تبادل المصالح والمنافع, كل دول العالم تفعل ذلك دون أن تتماهي مع الأشرار أو تركع أمامهم, تري كيف نقنع القوم من بني جلدتنا أن يكون أكثر تسامحا مع دينهم وحضارتهم وأخوتهم؟ المزيد من مقالات د.حلمى محمد القاعود