ودع ضيوف الرحمن بيت الله الحرام, بعد أن فرغوا من أداء المناسك, راجين رحمة ربهم ومغفرته, والعودة من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم, واذا كان لكل عمل حصاد. سواء كان العمل دنيويا أو أخرويا, فإن العلاقة مع الله تبارك وتعالي هي أسمي المعاني الدنيوية. وحتي تحافظ علي تجارتك مع الله في موسم الحج, يوضح علماء الدين عددا من الغايات المرجوة, والدروس والعبر المستفادة التي لابد للحاج أن يستوعبها ويحافظ عليها, والتي يوضحها الشيخ محمد عبدالسميع عيسي, من علماء الجمعية الشرعية, قائلا: الحج تجارة مع الله غايته الفوز بالجنة والنجاة من النار, فمن أدي ولم يكن الأداء محققا لهذه الغاية فقد أدي ظاهريا بقلب لاه وعقل غير مدرك, كالذي يدخل السوق ليشتري ويبيع ويضع في جيبه أحجارا, الناظر إليه يتصور أنه صاحب مال وفير, والحقيقة لفلسه وفقره دخل بلا ماله وخرج بلا ربحية والكل يتصور أنه الرابح, ونحن في هذه الأيام المباركة نعيش في موسم الغفران والمنن من الله علي عباده وهو موسم الحج, فكل العبادات لا يتحدد فيها زي ولا مكان, ولكن الزي في الحج تعليم وتعويد للعبد الزهد في الدنيا وذلك من الأردية التي يرتديها الحج قطعة من القماش يستر بها البدن وأخري لأعلاه كأنها أكفان يضعها العبد علي بدنه بيديه, إعلان تخفيف من العلائق التي تحول بين العبد والقرب من ربه تخفف من ماله وأولاده ومنصب وتجرأ علي شيطانه ونفسه وهواه, وقتها تزداد سرعة الوصول الي الغاية المرجوة ألا وهي الجنة التي هي غاية المتاجر مع الله سبحانه وتعالي. ويضيف الشيخ محمد عبدالسميع أن الاختبارات لا تنتهي, ولن تنتهي مادامت هناك حياة, فلابد من الابتلاءات حتي الخروج من الدنيا, فها هو اسماعيل عليه السلام يكبر ويطيع والده ويعمل معه في كنفه, وصفه الله: بلغ معه السعي, دلالة علي أن الصبي رهن إشارة أبيه وفي عونه, وهنا يأتي ابتلاء واختبار المولي عز وجل لا يختبر إلا في غال وعزيز, الأب الحنون المعتمد في فنون عمله علي ولده يري في المنام أمرا من الله بأن يذبح ولده اسماعيل, يستسلم للأمر ويعرضه علي اسماعيل عليه السلام فإذا باسماعيل بما عنده من الفهم والاستيعاب يعلن الرضا والقبول, يقول تعالي: يا بني إني أري في المنام أني أذبحك فإذا بالرد ممن ارتقي إيمانه ويقينه: يا أبت افعل ما تؤمر رقق الوالد كلامه ورقق الولد الاجابة, فالإيمان كلما زاد وقوي تمر الاختبارات والابتلاءات بسلام, فالمؤمنون عند الاختبارات يقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون, إعلان طاعة واستسلام لأوامر الله الحكيم العليم, وهذا درس للبشرية نتعلم منه كيف يكون الصبر والانصياع والرضا لمرادات الله والتسليم لأمره. الدرس الآخر, درس السعي وراء الأسباب المباحة, والتعلق بالمسبب وهو الله سبحانه وتعالي, فالنتائج مملوكة له سبحانه وتعالي, فالسيدة هاجر ضعيفة لا حول لها ولا قوة, سعت بين الصفا والمروة لانقاذ صغيرها, ومريم البتول في وحدتها ووحشتها يقال لها: وهزي إليك بجزع النخل أي قومي بما عليك من سعي حتي ولو كان السعي دون المستوي المرجو, فالله المتمم وجابر الكسر, وهو علي كل شيء قدير. أما حلق الشعر بعد السعي فهو دليل علي مدي حب الله لهذه الأمة, فالذين كانوا قبلنا كان شرط توبتهم قتل النفس: فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم, الله خفف عن أمة محمد صلي الله عليه وسلم القتل لقبول التوبة الي قص ما لا يؤلم حبا ورحمة وكرامة لمحمد صلي الله عليه وسلم ولأمته. وأما عرفة فصورة مصغرة ليوم القيامة, الكل متوسل وباك, يعلن فقرا وحوجا وركنا الي الله وذلا وخضوعا لله الواحد القهار, شعثا غبرا, تركوا الدنيا وراء ظهورهم, يعلنون لا ملجأ منك إلا إليك, فيأتيهم عفو الله وغفرانه ويصدر المولي عز وجل قرارا يدخل السرور علي أهل عرفة: أشهدكم أني قد غفرت لكم, وساعتها يصاب الشيطان بالصغار والدحور والخزي, ونذهب لاختيار الأسلحة التي تتناسب مع هذا العدو اللعين البين في العداء والغواية, واذا بالمشرع يوضح نوع السلاح لصغار وحقارة هذا العدو, حصوات صغيرات يرجم بها في مواضع حاول فيها غواية العباد لرفض مرادات الله, فهنا عقبة, وهناك أخري, النصر علي هذا اللعين تحقق بسبب هذا البناء الإيماني الشامخ القوي الصلد, فالحج ليس أعمالا صماء, بل دروس وعبر وعظات, فمن أدي ولم يحصل هذه الغايات فقد أدي ظاهرا ولم ينتفع بالكم الهائل من المنافع التي أشار إليها المشرع جل في علاه عندما قال في محكم آياته: ليشهدوا منافع لهم وليطوفوا بالبيت العتيق.. رزقنا الله جميعا حج بيته وتحقيق الغايات المرجوة من الحج والاستفادة من دروسه وعبره.