في ظل تعدد وسائل الإعلام وأدواته, يتسارع العاملون في الحقل الإعلامي لنقل الحدث والبحث عن الإثارة وما يلفت الرأي العام, ولم يعبأ البعض بما يسلكه من وسائل لتحقيق هذا الهدف, فضلا عن الدقة والأمانة فيما ينقل, مما يحدث أحيانا نوعا من البلبلة وترويجا للشائعات, والنيل من شخصيات عامة بغير حق, وهو ما لم تخل منه معظم وسائل الإعلام مؤخرا.. فقد نجد الخبر ونقيضه ونفيا أو تكذيبا له بعد قليل, بالإضافة إلي انحراف الإعلام في بعض وسائله عن رسالته وأهدافه..وهو ما دعا علماء الدين إلي المطالبة بالالتزام بالقيم والأخلاقيات الإيجابية, أو ما يعرف اليوم بميثاق الشرف الإعلامي, محذرين من خطورة التضليل الإعلامي الذي يؤدي إلي تخريب وتزييف عقل الأمة. الدكتور محمد داود, الأستاذ بجامعة قناة السويس, يشير إلي أن القرآن الكريم حدد المسئولية الإعلامية في نشر الفضائل والحث علي الخيرات.. وإلي ذلك يقول الله تعالي إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. أما الأمر الثاني فهو بث الوعي وتنميته عن طريق فضح الشرور والآثام وكشفها كي يسلم منها المجتمع, فدعانا إلي اجتناب الآثام واتقاء الفتن, فقال سبحانه واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة. وأضاف أن التباري والمنافسة والتقليد الأعمي الفاضح الذي يثير الغرائز, ويخدش حياء المشاهد, ويهبط بالقيم إلي الانحطاط, فكل ذلك يهدم المجتمع ويحرمنا من نعمة الأمن الأخلاقي التي أولاها القرآن الكريم أهمية بالغة في المسئولية الإعلامية. كما يركز القرآن الكريم في المسئولية الإعلامية علي الصدق والأمانة, فقد أمر الله نبيه صلي الله عليه وسلم أن يبلغ ما أنزل إليه دون تدخل في الرسالة الإلهية المكلف بتبليغها, فقال تعالي يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته, أما أن يتحول الحق باطلا, والباطل حقا, والجاهل عالما, والمسيء مبدعا, والمنحرف المتطاول مفكرا, وتوزع الألقاب بلا حساب, فإننا ندمر عقل الأمة ونخربه..وخير لنا أن نلتزم المسئولية الإعلامية كما حددها القرآن الكريم إذا أردنا الصلاح لأحوالنا, وصدق الله العظيم في قوله الحق إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويوضح الدكتور حسين شحاتة الأستاذ بجامعة الأزهر أن هناك عددا من السلوكيات المنهي عنها شرعا في مجال الإعلام والتي تعد بمثابة خط أحمر بالنسبة للعاملين في مجال الإعلام بجميع صوره, أهمها تجنب أي عمل أو فعل فيه مساس لمقاصد الشريعة الإسلامية وعدم المساس بالعقيدة أو الدعوة إلي الفتنة والعنف وسفك الدماء. وكذا الإساءة إلي الثقافة الإسلامية والاستهزاء بالعلماء والفقهاء والدعاة, والإعتداء علي الأعراض وإشاعة الفاحشة والفسوق بين الناس. وليحذر العاملون في مجال الإعلام من إشاعة الفاحشة والفسوق في المجتمع, فأكبر الكبائر إشاعة الفاحشة والبهتان علي الأبرياء, فقد وعد الله عز وجل من يقوم بذلك بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة مصداقا لقوله تبارك وتعالي: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون. لذلك يجب علي رجل الإعلام تجنب نشر أو الإخبار عن أي معلومات تقود إلي أن تشييع الفاحشة بين الناس, كما يتنزه عن الغيبة والبهتان ولا ينتهك أو يشجع علي هتك حرمات الناس وأعراضهم مهما تكن الدواعي والمبررات وضغوط الحاجات. كما طالب وسائل الإعلام بتجنب اللعن و اللمز و التنابز بالألقاب, حيث يشيع في الوسط الإعلامي بصفة عامة انتشار بعض السلوكيات السيئة مثل السباب والشتائم والسخرية من عباد الله وكذلك اللمز, ويعتبرون ذلك من المهنة, وهذا محرم في الإسلام, ولقد نهي الله عز وجل عن ذلك ولذلك يجب علي رجل الإعلام أن يترفع عن مثل هذه السلوكيات ويكون عفيف اللسان, ولا يقول إلا الحسني حتي يؤلف القلوب ويقوي المودة بينه وبين الآخرين. وإجمالا, لا يجوز لعن الناس أو تجريحهم أو التشهير بهم, فمن نصح أخاه في ملأ فقد فضحه, وإن كان يجوز في بعض الأحيان وعند الضرورة لعن أصحاب السلوكيات السيئة بدون تعيين مثل لعن الظالمين والكافرين واليهود والفاسقين ونحو ذلك, كما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: ما بال قوم كذا.....ولم يعين أسماء بعينها. وأكد الدكتور حسين شحاتة, حرمة الاعتداء علي حريات الناس وكرامتهم وأعراضهم بدعوي حرية الرأي, وأضاف: أحيانا يقوم بعض رجال الإعلام تحت دعوي حرية الإعلام الإساءة إلي الناس وتتبع عوراتهم وهذا منهي عنه شرعا حتي ولو كانوا من غير المسلمين, وقد نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن أذي المسلمين بصفة عامة والاعتداء علي دمائهم وأعراضهم وأموالهم فقال صلي الله عليه وسلم كل المسلم علي المسلم حرام دمه وماله وعرضه. كما طالب رجال الإعلام بالترفع والتنزه تماما عن الاعتداء علي حريات الناس أو الإساءة إلي كرامتهم أو تجريح أعراضهم ويصون كرامة الناس جميعا حتي ولو كانوا من غير المسلمين.وأضاف قائلا: يجب علي وسائل الإعلام أن تتجنب التجسس والتنصت للحصول علي المعلومات بسبل غير مشروعة, وتجنب المعلومات المبنية علي الظن والشك من باب التنزه والورع ومن مكارم الأخلاق. وعدم إطلاق الشائعات بدون بينة, فمن الواجبات الدينية علي رجل الإعلام والبعد عن إطلاق الشائعات دون روية أو أناة, وأن ينأي عن دعاة الفوضي الفكرية الذين يحاولون الصعود إلي مجد الشهرة من أوعر السبل الوعرة فيرمون الشرفاء ويطعنون رجال الدعوة الإسلامية.والتحقيق دائما من الأنباء والأخبار قبل نشرها لقوله تعالي: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين. وإذا لم يتمكن رجل الإعلام أن يكون لديه البينة علي نبأ معين فلاينشره.ولقد نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن صناعة الشائعات المغرضة لتحقيق مآرب شخصية أو حزبية أو نحو ذلك فقال: أيما رجل أشاع علي رجل مسلم كلمة هو منها برئ يشينه بها في الدنيا كان حقا علي الله أن يعذبه يوم القيامة في النار حتي يأتي بنفاد ما قال.