يحلم المصريون هذه الأيام, بأن تتحقق مبادئ الثورة التي طالما نادوا بها, وهي: عيش, حرية, عدالة إجتماعية, كرامة إنسانية.. يحلمون بأن تأتي لهم تلك التمنيات بالجمع, وليست فرادي; فليس عندهم أي قوة علي الإنتظار, أو الصبر.. وقد تخلوا عن صبرهم الذي عرفوا به طوال تاريخهم, وتنازلوا عنه قدر تنازلهم عن الماضي القريب بقهره, وذله, وقسوته التي عاشوها طوال فترات الحكم البائد.. أما المثقفون فهم أكثر طمعا, وحلما, وأملا فهم يريدون كل الأمنيات السابقة مضافا إليها رغبتهم في حراك ثقافي, وإبداعي أشبه بماحدث في الستينيات مع البواكير من الأشياء.. نريد أوبرا تقدم فنونا عالمية, وأخري مغرقة في المحلية; نريد كسارة البندق, وعايدة معا.. نريد مسارح تقدم من المسرح الكلاسيكي العالمي إلي مسرح العبث والتجريب, نريد المسرح القومي, ومسارح القري, وخيال الظل, ومسرح العرائس, ومسرح الجرن الذي توقف نتيجة لخلاف عبثي لم يفهم هؤلاء الذين كانوا يستمتعون, ويستفيدون منه, أين بدأ أو كيف انتهي, أو لم ينته ذلك الخلاف.. ولايهمهم من هو المسئول عن ذلك الخلاف, مايهمهم فقط هو أن يعود هذا الفن النبيل مرة أخري.. نريد أن نستعيد حفلات الخميس لأم كلثوم التي كان البسطاء يؤرخون بها للأحداث في حياتهم فيقول أحدهم: لقد حصلت علي ترقيتي في العمل يوم خميس حينما كانت أم كلثوم تشدو بأغنية( فات الميعاد) لأول مرة, وتقول أخري: جاء ابن أختي الأكبر للدنيا, وكنا متجمعين في البيت الكبير نستمع إلي ثومة وهي تشدو ب( أغدا ألقاك..؟).. نريد حفلات ربيع تشبه حفلات عبد الحليم, وفريد الأطرش.. نريد متاحف يرتادها العامة قبل الخاصة, ومكتبات يلتقي فيها الناس بدلا من المقاهي.. نريد مدا ثقافيا حقيقيا يجتاح القبح في حياتنا, ويغرق الغث, ويقتل كل الأشياء الزائفة, والمقلدة.. نتمني ثروت عكاشة جديدا يعيد سيرة الراحل العظيم الذي مازال يعيش بيننا بإنجازاته, وتقديسه للجمال والفن الأخاذ.. فكلما رأيت جمال البواكير تذكرت ثروت عكاشة, فأذهب إلي مكتبتي أقلب في موسوعاته عن تاريخ الفن والجمال, واستحضر أيام تمنيت أن أعيشها في مقابل واقع أنفصل عنه لإغراقه في الزيف, والقبح, والجهل.. فهل يمكن, وبعد نجاحنا في تحقيق ثورة مباركة مثل ثورة25 يناير بما واكبها من تغيرات جذرية, وإصلاحات نابعة من الشعب ذاته أن نحلم بواقع ثقافي أجمل يملأ حياتنا دفئا, وجمالا, ويجعلنا نشكر الله أن جعلنا نعيش في هذا الزمان الذي لايعتلي خطباؤه المنابر متحدثين عن التغيير, والتحول, والانتقال إلي الأفضل بل نشاهد هذا الأفضل في الواقع, ونعيشه..!! فالتاريخ المصري كان معملا لتجارب ثورية متنوعة خبرنا فيها نظما اشتراكية ورأسمالية, ونظما اجتماعية, وقوانين, وأعرافا.. وانتظرنا كثيرا حتي تحقق الحلم; حلم تأسيس الجمهورية الثقافية الثانية التي تشبع عقل الشعب قبل معدته, وتغذي ذوقه, وتسمو به.. سنة وعشرة أشهر مضت من عمر الثورة المصرية, ومازالت ملفات الثورة عالقة; ملفات الأمن, وشهداء ومصابي الثورة, واسترداد حقوقنا من المجتمع الدولي.. والملفات المزمنة كالصحة, والبطالة, والنظافة.. سنة وعشرة أشهر, ومازلنا نتحسس طريقنا وسط الظلام, ونحمل مشعل الثورة نبراسا ينير لنا الطريق.. نختلف أكثر مما نتفق, وتتعالي صيحاتنا في المطالبة بدستور يعبر عنا, ودولة تجمعنا, ورئيس يوحدنا.. وثقافة تمثلنا.. وواقع أجمل نريد أن نعيشه; نريد الجمهورية الثقافية الثانية بكل جمال وبهاء الجمهورية الأولي, ولكنها بعيدة كل البعد عما علق بها من أدران.. نريد هذا الشهد الرائق, والماء الزلال الذي يجعل من ابتعد عن الطريق يعود إليه مؤمنا أنه يختار بابا إلي الجنة, وليس بابا إلي الجحيم.. لا نريد ثقافة نخبوية, بل الثقافة بمفهومها الحديث, والتي تواكب أحلام كل فرد في المجتمع, وتجمع الشعب حولها, ولا تفرقه.. نريد الجمهورية الثقافية الجديدة مظلة تحمينا مما هو آت.. والآخطار آتية لا محالة, وسلامة ينادي من بعيد: أننا يجب أن نهتم بثقافتنا التي هي لغتنا, وتراثنا وفنوننا.. هي هويتنا التي تحفظ أمتنا الإسلامية والعربية, والوطنية, وتحفظ كل جميل وغال وقيم من الإندثار.. فهل يصل صوت سلامة إلي كل جهاد...؟!!