كتب الأستاذ محمد سلماوي مقالا سماه عزبة أبوهم بتاريخ2012/10/19 وجه من خلاله انتقادا شديدا لتيار الإسلام السياسي. وقد قرأت مضمون ما كتبه. ولكني أختلف مع سيادته فيما يتعلق بحكمه الجائر علي الإسلام وعلي الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه, حيث ذهب إلي القول إن محاسبة الحاكم ليست من الإسلام في شيء لا تسألوا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي تفوه رضي الله عنه بالكثير من الأقوال وارتكب الكثير من الأفعال المناقضة لذلك. وهو قول لا يرتكز علي حقيقة ولا يقوم عليه دليل, بل العكس هو الصحيح, فالإسلام هو الدين الذي أرسي مبدأ حق الرعية في نقض حاكمها ومحاسبته, بل لعلي أطرح علي سيادته كثيرا من الشواهد والأدلة والأمثلة التي ربما تكون قد غابت عن إدراكه وهو يصدر هذا الحكم الجائر. أولا: سيادة الكاتب الكبير: تهجم أعرابي اسمه ذو الخويصرة من بني تميم علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يوزع الغنائم قائلا له: لم أرك عدلت, فقال له الرسول: ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ وهم عمر بن الخطاب يستأذن الرسول في قتل الرجل فقال له الرسول الحكيم: معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي. أفلا يندرج هذا تحت بند المحاسبة والمساءلة بل والنقد والتجاوز؟ ثانيا: الكاتب الكبير: في غزوة الأحزاب رأي الرسول بعدما نقض يهود بني قريظة عهدهم معه أن يعقد صلحا مع غطفان يجعل لها ثلث ثمار المدينة لترجع عن حصارها للمدينة. وأراد النبي أن يستطلع رأي سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وهما زعيما المدينة, فإذ بهما يعبران عن رفضهما القاطع إلا إذا كان ذلك أمرا من الله, وقالا للنبي كنا نحن وهم علي الشرك وعبادة الأصنام وهما لا يطمعون أن يأكلوا من مدينتنا تمرة إلا كرما أو بيعا أفحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا برسوله نعطيهم أموالنا! والله لا نعطيهم إلا السيف حتي يحكم الله بيننا وبينهم وعلي الفور عدل الرسول عن رأيه وأنبأ غطفان أن أصحابه رفضوا ما ينوي القيام به. بماذا نسمي هذه المراجعة وبماذا نفسر هذا الموقف؟ ألا يدخل تحت مظلة النقد والمحاسبة والمساءلة والإختلاف في الرأي أم أن هناك تسمية اخري؟ ثالثا: الأستاذ محمد سلماوي: انتقد الأنصار من صحابة رسول الله موقفه يوم وزع غنائم حنين واهتم بالمؤلفة قلوبهم, كما أعطي ذوي الحاجة من المقاتلين, أما أوائل المسلمين من المكيين فقد وكلهم إلي إسلامهم ولم يعطهم من غنائم هذه الغزوة شيئا. وظهرت اتجاهات رافضة تقول لقي رسول الله قومه, أما حين القتال فنحن أصحاب, وأما حين القسم فقومه عشيرته. بماذا يمكن تسمية هذا النقد ؟ ألا يوضع في ميزان الرسول وكفة الإسلام؟ إنه بلغة عصرنا التظلم من قرار رأت الرعية فيه مساسا بها. سيدي: لم يعنف رسول الله صحابته ولم يحاكمهم بل قال لهم ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا أنتم برسول الله إلي رحالكم. رابعا: سيادة المفكر: تهجم أعرابي من أهل البادية علي رسول الله قائلا له: أعطني فليس المال مالك ولا مال أبيك. ابتسم الرسول وقال له صدقت إنه مال الله. وهم عمر أن يبطش بالأعرابي فرده الرسول في رفق وباتسامته تعلو شفتيه قائلا: دعه يا عمر فإن لصاحب الحق مقالا. الأستاذ محمد سلماوي علي ضوء هذه الأمثلة وتلك الشواهد يتبين لنا ان مبدأ محاسبة الحاكم ونقده هو مما أهداه الفكر الإسلامي إلي البشرية قولا وعملا, ويتضح أن حكمك علي الإسلام كان جائرا ينقصه الدليل ويفتقر إلي البرهان. الفاروق عمر بن الخطاب سيدي: لقد ذهبت بعد حكمك الجائر علي الإسلام إلي إصدار حكم أكثر جورا علي شخصية الفاروق عمر عندما قلت لاتسألوا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي تفوه رضي الله عنه بالكثير من الأقوال وارتكب الكثير من الأفعال المناقضة لذلك. وأضع بين يدي سيادتكم النقاط التالية: إن ما ذهبت إليه في تجاوز بين وتجن واضح علي شخصية صحابي جليل ممن وصفهم رسولهم أصحابي كالنجوم وهو تجاوز لا يمكن قبوله والسكوت عليه. إن صحابة رسول الله علمهم أستاذهم ان يكونوا نماذج واقعية لاقتران القول بالفعل ولا يمكن قبوله أو تصور أن شخصية عمر بن الخطاب الذي وصفه الرسول بقوله لقد جعل الله الحق علي قلبه ولسانه يتردد في أن يفعل أو يرتكب ما يناقض قوله. يكفيك أن تعلم أن رسول الله قال إن الله أيدني بأربعة وزراء اثنين من أهل السماء جبريل وميكائيل واثنين من أهل الأرض أبو بكر وعمر ولا يمكن يا سيدي أن يكون مستشار رسول الله ممن تتناقض أفعالهم مع أقولهم! أعلم ياسيدي: اي مكانة هي لعمر بن الخطاب في رحاب هذا الدين فهو أحد شهوده ورموزه ونجومه وعلاماته, ويكفي أن تعلم أن رسول الله قال عنه إنه كان فمن كان قبلكم محدثون أي ملهمون بالصواب وإن يكن في أمتي أحدا منهم فعمر بن الخطاب. هذا الرجل الملهم بالحق والصواب لا يمكن لكائن من كان أن يصفه بالتناقض فهو وصف يدل علي عدم تقدير للشخصية ومكانتها وعبقريتها. خامسا: يكفيك أن تعلم أن في القرآن لقرآنا من كلام عمر ولا يمكن أيها المفكر أن يضع الله سبحانه وتعالي ضمن آيات قرآنه نصوصا وعبارات قالها رجل تتناقض أقواله مع أفعاله. يحكي عمر رضي الله عنه عن نفسه قلت يا رسول الله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلي فنزلت الآية واتخذوا من مقام إبراهيم مصلي البقرة.125 وقلت يا رسول الله نساؤك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب و إذا سألتموهن متعا فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم و قلوبهن.. الأحزاب.53 واجتمع نساء الرسول في الغيرة فقلت له طلقكهمن والنساء غيرهن كثير فنزلت الآية عسي ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن... التحريم.5 أيها المفكر الكبير: أثرت أن أضع هذه الحقائق بين يديك لتعلم أي ظلم ظلمته لنفسك حين وصفت الإسلام هذا الوصف وزعمت أن محاسبة الحاكم ليس من الإسلام في شيء, ولتدرك أي تجاوز وقع منك في حق فاروق الأمة وملهمها عمر بن الخطاب. سيدي راجع نفسك والرجوع إلي الحق فضيلة