العيد في الإسلام ليس ذكريات, ومناسبة احتفالية فقط بل واقع متجدد علي مدي الحياة, وتتقارب فيه القلوب علي الود ويجتمع الناس وتوصل الأرحام, كما أنه مناسبة للتذكير بحق الضعفاء في العالم الإسلامي, حتي تشمل الفرحة بالعيد كل بيت. أما المعني الإنساني في العيد فهو أن تشترك أعداد كبيرة من المسلمين بالفرح والسرور والتكاتف والترابط, فيظهر اتحادهم وتلتقي الأمة علي ذلك الشعور المشترك, وفي ذلك تقوية للروابط الفكرية والروحية والاجتماعية. يقول الدكتور طه أبو كريشة عضو هيئة كبار العلماء إن العيد في الإسلام يأتي بعد أداء ركن من أركان العبادات, فعيد الفطر يأتي بعد أداء ركن الصيام, وعيد الأضحي يأتي بعد أداء ركن الحج الأكبر في يوم عرفة, وأن المظهر الديني في كل من العيدين يتجلي من خلال أداء صلاة العيد شكرا لله عز وجل علي توفيقه لعباده لأداء هاتين الفريضتين, كما قال تعالي في آيات الصيام: ولتكملوا العدة ولتكبروا الله علي ما هداكم ولعلكم تشكرون. وكما جاء في آيات الحج في قوله تعالي: ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير. فهذا المظهر الديني الذي يلتقي به المسلمون صبيحة يوم العيد هو بمثابة إعلان الشكر لله عز وجل, وأيضا فإن تنفيذ ما أمر به المسلم من إقامة صلاة العيد من باب تعظيم شعائر الله عز وجل, يقول تعالي: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب, فهذا المظهر من غير شك يجدد اللياقة الإيمانية في نفس المؤمن, فتكبيرات العيد تعلن عن التعظيم والتوقير والإجلال لرب العالمين, ومن هنا تعود القلوب أكثر صفاء وأكثر نقاء وقربا إلي الله عز وجل, ويترتب علي ذلك العودة الصحيحة إلي منهج الله المستقيم فيما يستقبله المؤمن من أيام بعد يوم العيد. مقاصد دنيوية وحول المقاصد الدنيوية للعيد يقول الدكتور طه أبو كريشة إنها متعددة, نري منها ما يتعلق بصلة الأغنياء مع الفقراء وهي التي تتم من خلال أداء زكاة الفطر في عيد الفطر, ومن خلال احتفال بنصيب الفقراء في الأضاحي بما لا يقل عن ثلث الأضحية حتي توجد المشاركة الإيجابية والتي تجمع الكل علي مائدة واحدة دون أن يشعر أحد بشيء من الحرمان, وأيضا فإن من هذه المقاصد ما يتصل بعلاقة المسلم بأخيه المسلم, حين يتلاقون في بيوت الله تعالي ويتجاورون مكبرين ومهللين حيث تتصافح الوجوه وتتلاقي العيون وتظهر الرسائل القلبية المتبادلة التي تعني المودة والحب, والتي تترجمها الألسنة من خلال التهنئة بالعيد وبالدعوات والأمنيات الطيبة باليمن والبركات, وأيضا المشاركة الإيمانية لحجاج بيت الله الحرام, حين يتذكر كل مسلم علي ظهر الأرض أنه يشارك بتكبيرات أيام التشريق حجاج بيت الله الحرام الذين يؤدون المناسك والذين يقدمون أيضا الأضاحي من خلال الهدي, فكأن الأمة الإسلامية تعلن في وقت واحد أنها أمة واحدة لا فرق بين ابنائها من خلال الجنس أو اللون أو الرتبة, وإنما تتلاقي القلوب في مشارق الأرض ومغاربها مع مركز الدعوة الإسلامية عند بيت الله الحرام,فكل هذه المظاهر والمقاصد من غير شك هي بمثابة التعبئة الإيمانية والبعث للأمة كلها واستدعاء موحد لها في وقت واحد لتجدد إيمانها ولتعيد إلي حياتها ما قد تكون غفلت عنه في زحام الحياة. الذبيح إسماعيل ودروس الفداء الله سبحانه وتعالي هو الذي يعلم المصلحة في تشريعاته ومقاصده, فأحيانا ما نصل إلي الحكمة من التشريع وأحيانا أخري لا نستطيع ان نفهم الحكم من أمر من الأمور الشرعية, ولكن لله عز وجل حكمة لا شك في هذا, وكما يقول الدكتور محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء لعل الحكمة من أمر الله تبارك وتعالي لسيدنا إبراهيم بذبح ابنه في الرؤية المنامية التي رآها سيدنا إبراهيم, ورؤياالأنبياء حق لأن الشيطان لا يتمثل لهم في الرؤي, فعلم ابراهيم عليه السلام أن هناك أمرا من الله بذبح ابنه, ولعل الحكمة في هذا أن في بعض عصور البشرية كانوا يقدمون أولادهم قربانا للآلهة, فلعل الله أراد أن يبطل هذا السلوك الباطل والظالم للإنسان, ولأنه لا يرضي أن يقدم إنسان ذبيحا لطاعته, فالله عز وجل يحب له الخير, حتي الكفر مع أنه لا يحدث إلا بإرادته ولكنه لا يحبه للعباد, يقول تعالي: إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضي لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم, ويضيف أننا نستخلص من هذا الحدث الجلل أن أوامر الله عز وجل لابد أن تنفذ بدليل أن سيدنا إبراهيم شرع هو وسيدنا إسماعيل في تنفيذ أوامر الله عز وجل, فانقذه الله بالذبح العظيم, فالأعياد في كل الأحوال مناسبات يجب انتهازها لتقوية الروابط والعلاقات الاجتماعية, كما أن لها فائدة اقتصادية كبيرة, وهي استفادة طوائف متعددة منها, كتجار الملابس والمطاعم والأماكن السياحية لإقبال الناس عليهم في العيد وبالتالي تنتعش التجارة في ذلك الوقت, مما يعود بمصلحة كبيرة علي الفرد والمجتمع أيضا.. آداب الاحتفال بالعيد يؤكد الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية أن العيد هو مناسبة للتهاني والأفراح, وبشري طيبة بين المسلمين في علاقتهم معا وخاصة العلاقات بين الأقارب والجيران والأصدقاء,فالعيد مسرة لكل مسلم ويستروح به المسلم من عناء العمل والعبادة والالتزامات الحياتية المختلفة كما أشار الرسول صلي الله عليه وسلم في بيان علته حين قال: حتي يعلم اليهود أن في ديننا فسحة بمعني أن الإسلام كما يقوم علي الجدية والمشاركة في الأمور الحياتية المختلفة, لكنه في الوقت نفسه لا ينسي أن الإنسان يحتاج إلي الترويح عن نفسه, وإلي التواصل مع أخيه المسلم, ويظهر دائما البشر والسرور خاصة في هذه الأيام الكريمة, ومما ينبغي أن يلتفت إليه المسلم في تلك الذكري الطيبة أن يكون سروره في نطاق مباح بحيث لا يؤذي الآخرين أو يضايقهم بأي صورة من الصور, مع اهمية حرصه أيضا علي أن يصل الأرحام, فصلة الرحم في العيد فريضة شرعية وواجب مجتمعي تسعد به الصدور وتأتلف به القلوب, فقطيعة الرحم في هذه الأيام المباركة عقابها مضاعف وعذابها دائم عند الله سبحانه وتعالي, يقول عز وجل في كتابه الكريم: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم وبجانب ذلك أيضا المودة بين الأصدقاء والجيران وتبادل التهاني معهم من شعائر العيد الواجبة, ونحن في عيد الأضحي نتذكر ما حدث مع السيدة عائشة رضي الله عنها عندما دخل عليها أبو بكر الصديق وكان يوم عيد فرأي جاريتين تغنيان, فتوجه أبي بكر للسيدة عائشة, وقال: امزمار الشيطان في بيت رسول الله ؟! فقال له الرسول صلي الله عليه وسلم: دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيد, وهذا عيدنا, وفي رواية أخري فإن اليوم يوم عيد, ومن هنا فإن سماع الأغاني التي لا تنطوي علي ابتذال أو إثارة لا مانع منها ولا مانع أيضا من مشاهدة الأفلام التي تؤصل القيم ويستفيد منها الإنسان في مجريات حياته, فهذا يندرج في إطار الترويح الذي أباحه الرسول, يقول صلي الله عليه وسلم الذي يقول أيضا:( روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت) ويضيف الجندي أن الاحتفال وإدخال السرور علي الأقارب والجيران والأصدقاء والفقراء والمحتاجين من المقاصد التي من أجلها شرع الله عز وجل العيد, فهو ليس مجرد ساعات أو أيام يعيش فيها الإنسان لنفسه فقط, وإنما يعيش بالناس ومع الناس, وبقدر إدخاله السرور والبهجة علي من حوله, بقدر ما يكون قد حقق مقاصد هذا العيد, فالتماسك والتساند والتكافل الاجتماعي نحن في أمس الحاجة إليه الآن, فليقدم المسلم كل ما يستطيعه من عمل الخير في العيد ويجعله ممتدا أيضا لما بعد العيد. دور الأسرة وحول واجب المرأة المسلمة تجاه زوجها وأولادها والمجتمع خلال أيام العيد, تقول الدكتورة آمنة نصير استاذة الفلسفة بجامعة الأزهر إن العيد لا بد أن يكون فرحة وتذكر ومعرفة لماذا نحتفل بعيد الأضحي وهذا هو دور الزوجة والأم أن تعلم أبناءها أن العيد ليس مجرد ملابس جديدة فقط وإنما تفهمهم مقاصد وأهمية العيد وما المقصود بكلمة تضحية وكيف تكون واجبة بين أفراد الأسرة جميعا, فيجب ترسيخ البعد النفسي والأخلاقي لهذه المناسبة الدينية الجليلة, ومن الملاحظ في وقتنا هذا ظهور صفة الأنانية بين أبنائنا, ولذلك يجب إعادة التربية بطرق صحيحة كما وصانا الرسول صلي الله عليه وسلم:( بروا آباءكم تبركم أبناؤكم), فكلما كنا قدوة في الاهتمام بالآباء والأمهات قلد أطفالنا هذا السلوك. ومن جانبه يري الدكتور مبروك عطية أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر أن الزوجة ليس عليها دور واحد فقط, وإنما عليها كل شيء, فالبيت بدونها لا يستقيم, وعلي الزوج والأبناء أن يساعدوها ويرحموها, وبالنسبة للزوجة أيضا فيجب عليها ألا تشعر زوجها بأن العيد كارثة من كثرة الطلبات وإحضار ملابس جديدة, فتقتصد حتي يمر العيد بسلام, فهو سعادة فالعيد لا يقضي بالإرهاق, يقول الله تعالي: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا, فالإرهاق ضد السعادة لا يلتقيان أبدا, فإذا كثرت المطالب وخضعت الزوجة للعادات والتقاليد فتطلب مطالب كثيرة وترهق زوجها فتكدره وتكدر نفسها, فيجب مراعاة ظروفه وقدرته المالية. أما بالنسبة لدور الزوج, فهو رب البيت والذي يعتني به من خارجه, يقول الرسول صلي الله عليه وسلم لسيدنا علي رضي الله عنه ولابنته فاطمة:( عليك بالبيت من الخارج, وعليك بالبيت من الداخل) ولذلك فلا يستقيم الداخل إلا إذا استقام الخارج, ففي الوقت الذي نقول فيه للزوجة اقتصدي, نقول للزوج لا تبخل عليها ماليا أو معنويا, وقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها كيف كان الرسول صلي الله عليه وسلم بالبيت ؟ فقالت: كان في خدمة أهله, فالرجولة ليست أن يكون نائما علي أريكته ويصبح دوره في البيت النقد فقط, فرفقا بالنساء, يقول الرسول صلي الله عليه وسلم:( استوصوا بالنساء خيرا).