ينافس نفسه.. على نور المرشح الوحيد بدائرة حلايب وشلاتين    الوطنية للانتخابات تقدم خدمة للناخبين بالاستعلام عن لجانهم فى انتخابات مجلس النواب    كم توفر سنويا لو حوّلت عربيتك من بنزين إلى غاز؟.. بالتفصيل 33 ألف جنيه    مدير مركز ثبات: تعثر ملف تسليم جثامين الأسرى يثير انزعاج ترامب    أكسيوس: ترامب يبلغ نتنياهو بأنه على علم بتأخر تسليم الجثامين    جندى روسى يقتل زميله وينتحر داخل قاعدة عسكرية قرب موسكو.. اعرف التفاصيل    شبكة عالمية: محمد صلاح ضمن أفضل 5 صفقات في تاريخ الدوري الإنجليزي    وزارة الرياضة: نطالب بوقف تجنيس اللاعبين المصريين بطرق غير المشروعة واتخاذ إجراءات رادعة للمتورطين    فى أول مباراة.. تعرف على طريقة لعب توروب مع الأهلي غدا    إيداع قاتل زميله وتقطيعه بمنشار كهرباء فى الإسماعيلية أحد دور الرعاية    وزارة النقل تناشد المواطنين للمشاركة في توعية ركاب السكة الحديد من السلوكيات السلبية    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    4 حفلات على مسارح الأوبرا في مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية ال33.. الأحد    حسين عبد البصير لإكسترا نيوز: المتحف المصرى الكبير هدية مصر للعالم والإنسانية    ريم أحمد تكشف عن تحديات الأمومة في ستات ستات: ابنتي أقوى مني    وكيل المخابرات العامة المصرية السابق: حاولنا ربط الإفراج عن شاليط بمروان البرغوثى    توزيع 1000 سماعة طبية بالأقصر ضمن حملة "نرعاك تسمع".. صور    مستشار رئيس الجمهورية يشهد انطلاق فعاليات مهرجان التعامد بأسوان    الأردن: هبوط اضطرارى آمن لطائرة متجهة من عمّان إلى حلب بعد عطل فنى بسيط    بنزيما يقود تشكيل الاتحاد ضد الفيحاء في الدوري السعودي    مبابي جاهز لقيادة ريال مدريد أمام خيتافي بعد التعافي من إصابة الكاحل    قبرص: تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومصر والجهات الإقليمية الفاعلة أساسي لتعزيز السلام والأمن الإقليميين    الأوقاف تطلق قوافل دعوية موسعة بجميع المحافظات لتصحيح المفاهيم الخاطئة    انتخابات مجلس النواب 2025.. خطوات الاستعلام عن اللجنة الانتخابية ورقم الناخب    «مش بيأكلوه قرديحي».. أصحاب 3 أبراج لا يستغنون عن البروتينات في وجباتهم اليومية    تعاون بين الآثاريين العرب والسياحة.. رؤية جديدة لإحياء الإنسان والحجر    توقعات حالة الطقس غدًا.. كم تسجل درجات الحرارة على القاهرة؟    طريقة طاجن السبانخ باللحمة.. أكلة مصرية بطعم الدفا مع اقتراب أجواء الشتاء (المكونات بالتفصيل)    جامعة قناة السويس تنفذ برنامجًا توعويًا لمحاربة العنف في المجتمع    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-10-2025 في محافظة الأقصر    أهم أخبار السعودية اليوم الجمعة 17 أكتوبر 2025.. منصة "نت زيرو" توقع مذكرة تفاهم مع الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة    ضبط دجال يروّج للشعوذة على السوشيال ميديا في الإسكندرية    الخطيب: مشروع الاستاد حلم يقترب من التحقق.. ومؤسسة الأهلي للتنمية المجتمعية هدفها خدمة الوطن    السيطرة على حريق مخلفات بفواصل كوبرى الزاوية الحمراء دون إصابات    المؤسسات الرياضية فى مخاطبات رسمية: التجنيس أحد أنواع الهجرة غير الشرعية    لمدة 14 ساعة.. ضعف وانقطاع المياه غدًا السبت عن 3 مناطق بالإسكندرية    الصحة تنظم ورشة عمل تدريب مدربين لمسئولي التثقيف الصحي    محافظ أسيوط: نشر الوعي بمخاطر الإدمان مسؤولية مجتمعية    عبد الرحيم كمال ينعي الفنان أشرف بوزيشن: كان رجلا طيبا وجميلا ربنا يرحمه    وزارة العمل تعلن عن 2914 فرصة عمل جديدة في 13 محافظة ضمن نشرة التوظيف نصف الشهرية    عالِم أزهري: «ادفع بالتي هي أحسن» قانون إلهي في تربية النفوس ونشر الخير    مصر تتأهل إلى نصف نهائي كأس العالم للكرة الطائرة جلوس في أمريكا    الإسكندرية تبدأ توسعة طريق الحرية.. مشاريع لتحسين الحركة المرورية لمدة شهر كامل    الضفة.. إصابة 4 فلسطينيين باعتداء مستوطنين على موسم جني الزيتون    الصحة: رؤية إنسانية جديدة في المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    كيف تكتشفين أن طفلك متأخر لغويًا من الشهور الأولى؟.. أخصائية تخاطب توضح    اليوم.. إقامة صلاة الاستسقاء بجميع مساجد الإمارات    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تلتقي رئيسة بنك الاستثمار الأوروبي خلال فعاليات الاجتماعات السنوية للبنك الدولي بواشنطن    العلماء يؤكدون: أحاديث فضل سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها الضعيف    أحكام وآداب يوم الجمعة في الإسلام... يوم الطهارة والعبادة والتقوى    ننشر أسماء ضحايا ومصابي الحادث المروع بطريق شبرا بنها الحر    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة في بورصة الدواجن    8 قرارات جمهورية مهمة ورسائل حاسمة من السيسي بشأن أضرار سد النهضة الأخيرة    نيوزيلندا تعيد فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يخوض المران الختامي اليوم استعدادًا لمباراة «إيجل نوار»    محافظ بورسعيد يعتمد تعريفة الركوب الجديدة بعد زيادة البنزين والسولار الجديدة    رسميا.. «البترول» تعلن زيادة أسعار البنزين والسولار جنيهين وتُثبتها عاما كاملا حدًا أدنى    السيطرة على حريق داخل مخزن لقطع غيار السيارات بميت حلفا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الباحث الكبير محمد السيد سعيد‏"2‏" عقل فذ‏..‏ نسيج وحده

محمد السيد سعيد هو جزء من مكونات السلسلة الذهبية للمفكرين المصريين البارزين الذين ساهموا بأفكارهم الجديدة‏,‏ وخطابهم النقدي والتجديدي في رفد نظم الأفكار السائدة بالجديد في الدرس المنهجي‏, والنقدي وفي تقديم مقاربات جديدة وخلاقة. في الحلقة الماضية تناولنا التعدد في مصادر الإطار المرجعي للباحث الكبير من حيث المكونات المعرفية والتنوع في ثقافته, وأثرها علي الممارسة البحثية المتميزة له علي الساحة البحثية والفكرية مصريا وعربيا, وكيف أن كتابه عن الشركات متعددة الجنسيات شكل أحد بحوثه الهامة في هذا الصدد.
يشكل كتاب الشركات متعددة الجنسيات مكانة هامة في أدبيات العلوم الاقتصادية والسياسية في مصر وعالمها العربي, ليس فقط لندرة الكتب في هذا المجال كما سنري, ولكن للكيفية التي تعامل بها الباحث في تأصيل الظاهرة في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية, وكونها تعبيرا عن صيرورات وتحولات في بنية النظام الرأسمالي العالمي وعلاقاته وتشبكاته والفاعلين الجدد في إدارة العلاقات بين الدول ومن ثم النظام الدولي والتأثير علي قواعد عمله وتوازناته, لاسيما الاقتصادية بكل انعكاساتها السوسيو اقتصادية, بل وعلي سوسيولوجيا العلاقات الدولية إذا ساغ التعبير والفاعلين الدوليين خارج الدول والمنظمات الدولية, والذين يلعبون أدوارا مؤثرة علي التفاعلات الدولية, وعلي هيكل النظام ودينامياته.
هذا الكتاب المتميز يعد عملا رائدا ويشكل أحد أبرز المقاربات المنهجية والتحليلية للشركات المتعدية للجنسيات, في مرحلة كانت أغلب المقاربات آنذاك, إيديولوجية الأهواء المعالجات والأهواء والإدانات. من ناحية أخري كانت سدا لفراغات في المكتبة المصرية, والعربية, لم يكن ثمة معالجات إلا كتاب حسام عيسي, وكتاب صدر بالعراق, ومقال لنا بالطليعة- الشركات متعددة القوميات وتعدد جنسية الشخص الاعتباري العدد الصادر في مايو1984- من منظور سياسي/قانوني.
جاء عمله الأكاديمي متميزا عن هذه الأعمال كلها, ومتجاوزا لها بلا نزاع.
من ناحية أخري حاول محمد السيد سعيد يتبني بعض الأفكار النظرية حول نظرية التبعية.
من الشيق ملاحظة أن مطالعات ومتابعات محمد السيد سعيد للتطور النظري في العلوم الاجتماعية, كان يتسم بالجدية والموضوعية معا, من حيث مواكبة الكتابات والمقاربات الجديدة في مظانها الأساسية ولاسيما باللغة الإنجليزية, أو اللغة العربية.
ومن أبرز المواكبات في هذا الصدد, مراجعاته النقدية الرافضة لكتابات مدرسة التبعية ومدرسة( اكلاACLA) وفق المنظرين الاقتصاديين الأمريكيين اللاتينيين اندريه جوندر فرانك, وكاردسو وفاليتو, وآخرين, فضلا عن كتابات المصري سمير أمين, فضلا عن متابعاته العميقة لكتابات محمود حسين عن مصر الناصرية وأنور عبد الملك عن مصر ونهضتها, وحكم العسكريين لها.. إلخ.
3-ومن الملاحظ أن بعض استعارات محمد السيد سعيد عن التجديدات والمقاربات النظرية الجديدة, كانت تتم في ضوء قراءته النقدية, وإضافاته وتعديلاته الخلاقة علي ما يستعيره ويتمثله ويوظفه معها.
أنها ممارسة مغايرة عن الثقافة النظرية السماعية, والمثقف بالسماع وفق علي فهمي أو الباحث بالسماع. ثمة ما يقدمه محمد السيد سعيد علي صعيد مثال الباحث الاجتماعي ألا وهو الباحث الرصين واسع الإطلاع ذو التكوين الراسخ, والمتطور, والأهم الباحث الذي يطلع علي مظان المراجع الأساسية لبحثه, ولا يعتمد علي النقول المبتسرة والشوارد العارضة, ومن ثم شكل نقيضا لبعض مجايليه وتابعيهم الذين باتوا يشكلون نمطا آخر هو الباحث الطائر الذي ينتقل من تخصص لآخر, ومن جريدة لأخري, حيث عماد عمله هو الإطلاع علي الجرائد وتجميع عناصر موضوعه وفقراته من هذه الجريدة أو المجلة, أو غيرها وبالأحري الباحث/ الشنطة الذي يحمل بعضا من ابتسارات وتعميمات وتبسيطات من كل شئ, ومن ثم يفسرون كل شئ, ولكنهم وا أسفاه لا يفسرون شيئا, والمرجح لا يعرفون شيئا إلا شذرات محدودة لا تعينهم علي فهم ما يقاربونه من قضايا وظواهر ووقائع... إلخ! لم يكن محمد باحث تلفازي أو باحث ومعلق مرئي علي الفضائيات العربية, يعيد ويكرر بعض من التبسيطات, والأحكام الإيديولوجية الصاخبة أو بعض نقول مسطحة عن الصحافة أو المواقع النتية. لم يكن باحث حركةactionresarcher, علي مثال ممثل الحركةactionacter في أفلام الغرب الأمريكي الWestern.
من هنا لم يكن يظهر كثيرا في الفضائيات العربية ولم يشارك في إثاراتها البرامجية السجالية العنيفة والسوقية بامتياز.
يمكن القول أيضا أننا إزاء باحث لم يتوقف عند محصوله المعرفي التأسيسي والتعليمي, ولا التركيز علي الموضوعات النمطية الشائعة في مرحلة ما, أو الجري وراء الموضوعات النظرية أو البحثية, ولم يكن يخشي حدة المزاج الإيديولوجي أو السياسي الشائع بين الروافض من الباحثين والنشطاء والحركيين. خذ علي سبيل المثال لا الحصر كتابه عن النظام العربي بعد حرب الخليج الثانية, وغزو العراق للكويت وما أثاره من بعض السجال واللفظ بين هؤلاء الحركيين والنشطاء من بقايا الحياة السياسية والإيديولوجية السرية المعتمة.
واجه محمد السيد سعيد بعض الغلاة الإيديولوجيين القوميين والماركسيين الذين سوغوا للغزو وأضفوا عليه بعض التبريرات والكلاشيهات التقدمية! ساهم محمد بممارساته النقدية والتحليلية في تبديد بعض من عديد الأوهام الإيديولوجية القومية واليسارية, التي أشاعها بعضهم آنذاك. كان عمله البحثي عن النظام الإقليمي من أبرز ما كتب في النقول المستعارة من نظرية النظم الإقليمية في الأدبيات العربية والأهم في تطبيقاتها علي المنطقة.
4- شكل إطلاعه علي الأدب المصري والعربي والعالمي, مدخلا لاستبصارات ومقاربات سوسيو نفسية في العمق للظواهر الاجتماعية والسلوكية والأبنية القيمية, ويبدو أن هذا المكون مع عشق السينما والمسرح فتح أمامه آفاقا متعددة من حيث اتساع المخيلة وتمثيلاتها, ودوائر التخييل التي أفادته في بناء السيناريوهات السياسية والاجتماعية, ولذا ومن ثم فتح هذا الولع والمتابعة الأبواب أمامه عن سعة لفهم السلوك الإنساني المعقد والمركب والعصي علي التبسيط وخاصة في حركة الجموع الفئات والشرائح الاجتماعية, والنخب المسيطرة واستراتيجياتها في الهيمنة والسيطرة علي الجموع. وخاصة حالة الخضوع والانسحاق تحت سطوة الهيمنة التسلطية الناعمة والغليظة من خلال المزاوجة بين السيطرة الإعلامية ومحمولاتها الرمزية, وبين أسنان القوة الغشوم.
في بداية تعرفي علي محمد السيد سعيد تحدثنا كثيرا عن السينما العالمية, وذهبنا معا إلي المسرح القومي, وتحدثنا كثيرا عن الحالة المسرحية المصرية وبوادر ومؤشرات أفولها- عام1979-, ومخاطر تلك الهجمة علي ثقافتنا. ويبدو لي أن المسرح وشخوصه والعملية التمثيلية والتمسرح ذاته, أعطاه ملكة الكشف عن بعض مكامن المراوغة والتمثيل في الشخصية الإنسانية, والمصرية, وملامح وأقنعة الزيف والكذب والنفاق اللذين يغشيان سلوك بعض المصريين, ولاسيما المثقفين والنشطاء والسياسيين والإيديولوجيين ورجال الدين.
شكلت قراءات محمد السيد سعيد السردية/ الأدبية في نطاق أجناسها علي اختلافها, مدخلا هاما في مقاربته للروح المصرية, والأحري التراكيب السوسيو نفسية التي تشيع بين فئات وشرائح ومجموعات مصرية متعددة في الحضر والأرياف والمدن المريفة. من هنا نستطيع تفهم كتابته بين الحين والآخر عن التغير في التركيبة النفسية الاجتماعية للمصريين وعلاقتهم بالمدينة التي اعترتها موجة ترييف عاصفة أثرت علي نسقها وعماراتها وتخطيطها وسلوكياتها وتعامل المصريين معها كالقاهرة والإسكندرية وبورسعيد والترييف الذي لحق بالمدينة, التي شكلت رافعة التطور الثقافي والاجتماعي والسياسي لمصر الحديثة والمعاصرة.
5-التكوين والروافد متعددة المنابع العلمية والثقافية والقرائية لمحمد السيد سعيد, أثمرت علي نحو باهر في إنتاج اللغة كنسق ودلالة وتراكيب والكتابة, ثم يمكن القول أنه يعد أحد القلائل الذين أدركوا معني اللغة ليس بوصفها أداة كما ذهب سابقه ومجايله عموما إلا فيما ندر أو كشكل لمعاني, وإنما بوصف اللغة هي العالم, هي المعرفة ذاتها, وهو أمر لم يدركه سوي قلة القلة واستثناء الاستثناء في جيل السبعينيات جيلنا- كنتاج لتكوينهم المتفرد, والاستثنائي, وربما لمعاناتهم مع اللغة, وربما للألم الموجع في تفهمهم لأسرارها المعقدة, أي للعالم وأسراره الدفينة المغلقة والعصية إلا علي من كابد وأخلص ومن ثم تفتحت أمامه عوالمها, ومعها عوالمنا ببطء وعسر وألم, ولكن في اتساع.
من سياقات الألم والاكتشاف والصبر عرف محمد السيد سعيد أن اللغة أحد مداخل كسر الأنماط, والصور المسبقة, والأساطير السياسية والدينية.. إلخ. من هنا استولد لغته, سره الدفين, وربما كان تعبيرا متوحدا لما قاله رولان بارت عن علاقة الكاتب باللغة واللغة بالكاتب, أن اللغة سر الكاتب وروعته. كانت لغة محمد السيد سعيد سره الخاص, وولعه وروعته وعلامته وشارته أمام الجماعة الثقافية وتلاميذه وأحفاده الفكريين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.