ها هي العشر الأول من ذي الحجة قد أقبلت فما أحوجنا أن نجتهد فيها ونقبل على الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيّام أعظم عند الله، ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيّام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير» [رواه الطبراني]. والبعض يعتقد بأن الصيام فقط هو المطلوب في هذه العشر الأول من ذي الحجة والحقيقة أن هذا الرأي جانبه الصواب؛ إذ إن مفهوم العمل الصالح واسع وشامل عليك أن نتحراه ونجتهد ما استطعنا في هذه الأيام، مع الوضع في الاعتبار ما يلي: 1- النبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بالعمل الصالح في هذه الأيام، فلا بأس بأي عمل صالح فيها، سواء كان هذا العمل إنفاقًا في سبيل الله، أو أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر أو إصلاحًا بين الناس أو سعيا في مصالح الناس أو نشرا للعلم أو مساعدة محتاج أو بر الوالدين أو صلة الرحم أو الصيام. 2- البعض يحسر مفهوم العمل الصالح في الصيام فقط وهذا خطأ بل المفهوم شامل وواسع. 3- البعض يترقب هلال ذي الحجة كي يصوم من أول يوم، وهذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فلا صيام مفروضًا غير رمضان، فلنحرص أحبتنا الكرام على أننا في العبادة نتّبع ولا نبتدع، فلم يثبت أن ترقب النبي الكريم والصحابة رضي الله عنهم هلال ذي كي يصوموا. 4- فلا بأس من الصيام مع الوضع في الاعتبار عدم فرضيته، وكذلك لك أن تصوم الإثنين والخميس أو تصوم يومًا وتفطر يومًا. 5- الثابت المؤكد هو صيام يوم عرفة هو الذي نص عليه النبي عليه والصلاة والسلام فلنحرص عليه ولنجتهد في بقية العشر دونما اعتقاد بفرضية ذلك. المفهوم الشامل للعمل في هذه الأيام يدور مفهوم العمل الصالح حول الأشياء الآتية: 1-الصلاة: فلنحرص على أداء الصلوات الخمس في جماعة وأن ندرك تكبيرة الإحرام والصف الأول رغبة في الثواب العظيم؛ لأن الله و ملائكته يصلون على الصف الأول كما في الحديث، حيث قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلاَّ أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا" متفقٌ عَلَيهِ، وهذا يعني كثرة التسابق على الصلاة في الصف الأول. وكذلك فلنحرص على أداء النوافل وبخاصة السنن الرواتب وهي: ركعتان قبل الفجر وأربع ركعات قبل الظهر وركعتان بعده وركعتان قبل المغرب وركعتان قبل العشاء. وهذه الإثنى عشر ركعة قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعًا غير الفريضة، إلا بنى الله له بيتًا في الجنة" [رواه مسلم]، وخاصة الرجال لأن صلاة الجماعة فرض عليهم، فمع الوضوء تتساقط ذنوبك، ومع ترديد الأذان تأخذ نفس ثواب المؤذن، وعندما تتوضأ في البيت وتذهب لتصلي في المسجد تُرفع بكل خطوة درجة ويُحط عنك بكل خطوة سيئة وثواب صلاة الجماعة يعادل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، وما دمت في المسجد تنتظر الصلاة فأنت يبقى كأنك في صلاة ما دامت تحبسك. فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا يَزَالُ أحَدُكُمْ في صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ، لا يَمنَعُهُ أنْ يَنقَلِبَ إلى أهلِهِ إلاَّ الصَّلاةُ" [متفقٌ عَلَيْهِ]، فكيف تضيع كل هذا الأجر الوفير؟!! 2-الصيام: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا" رواه البخاري، ما هذا الفضل العظيم هذا في أي يوم، فما بالك أن يكون ثواب الصيام في أحب الأعمال إلى الله، فللصائم عند فطره دعوة مستجابة فادع الله بما تشاء ادع الله بالهداية والمغفرة وكل ما تريد، وأيضا جاء في الحديث: "من فطر صائما كان له مثل أجره...". 3-الصدقة: تصدق ولو بشق تمرة فالله عز وجل يضاعف لك هذه الصدقة، تصدق لو بجنيه أو ربع جنيه حتى كل يوم وتخيل أن ربنا عز وجل يضاعف لك الصدقة هذه يوم القيامة إلى سبعمائة ضعف والله سبحانه ذو فضل عظيم وهو الواسع العليم. 4. الدعوة إلى الله: لا بد لكل مسلم أن يكون مهتما بأمر الدعوة إلى الله عز وجل ولو بالقليل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "...فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِىَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ" متفق عليه، والدال على الخير كفاعله. 5- قراءة القرآن: كثيرون لم يفتحوا المصحف من بعد سرمضان فها هي الفرصة قد جاءت، وكما في الحديث "خيركم من تعلم القرآن وعمله"، وحاول كل يوم أن تتدبر جزءا معينا من القرآن وتعرف معانيه وتفسيره وتعيش معه صفحة أو اثنتين أو ربعا أو حزبا أو حتى آية المهم أنك تقوي إيمانك بالتدبر. 6.صلة الأرحام: حاول أن تصل الرحم في هذه الأيام، حتى لو لمدة خمس دقائق ولو كان أهلك بعيدين عنك فمن الممكن أن تتصل بالهاتف كي تأخذ ثوابا كبيرا من أجل صلة الرحم. 7-قيام الليل: قال تعالى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16]. قال مجاهد والحسن: يعني قيام الليل، وقال ابن كثير في تفسيره: "يعني بذلك قيام الليل وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة"، وقال عبد الحق الأشبيلي: "أي تنبو جنوبهم عن الفرش، فلا تستقر عليها، ولا تثبت فيها لخوف الوعيد، ورجاء الموعود". وحث النبي على قيام الليل ورغّب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد" [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: "نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل" [متفق عليه]. قال سالم بن عبد الله بن عمر: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً. وقال النبي: "في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها" فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: "لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام" [رواه الطبراني والحاكم وصححه الألباني]. وقال: "أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس" [رواه الحاكم والبيهقي وحسنه الألباني]. وقال: "من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين" [رواه أبو داود وصححه الألباني]. والمقنطرون هم الذين لهم قنطار من الأجر. 8- الذكر: إن ذكر الله نعمة كبرى، ومنحة عظمى، به تستجلب النعم، وبمثله تستدفع النقم، وهو قوت القلوب، وقرة العيون، وسرور النفوس، وروح الحياة، وحياة الأرواح. ما أشد حاجة العباد إليه، وما أعظم ضرورتهم إليه، لا يستغني عنه المسلم بحال من الأحوال، ولما كان ذكر الله بهذه المنزلة الرفيعة والمكانة العالية فأجدر بالمسلم أن يتعرف على فضله وأنواعه وفوائده، قال ربنا عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب:41]، وقال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35]. وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله : "ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم"؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "ذكر الله عز وجل" [رواه أحمد]. وفي صحيح البخاري عن أبي موسى، عن النبي قال: "مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت"، وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "يقول الله تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة"، أبعد هذا نحجم عن ذكر الله تعالى؟!! المزيد من مقالات جمال عبد الناصر