بقلم: هاني شنودة يقول العظيم بيتهوفن قل لي ماذا تسمع..أقل لك من أنت؟,وأنا أقول قل لي ماذا تسمع,أقل لك من يحكمك؟. هذه حقيقة مؤكدة وليس نوعا من العابه, فالمراقب للأشخاص في كثير من دول العالم التي لا تستمع إلا للموسيقي الميلودية فقط( المونوفونية),وتهمل أحد أسس الموسيقي( الهارموني),فإنها بذلك تقبل الحكم الدكتاتوري, بل تفضله وتسعي إليه وهي لا تعلم أنها بذلك تريد صوتا واحدا لا يصاحبه صوت آخر كما هو معروف في الموسيقي(البولوفونية) متعددة الأصوات. ودعني هنا أشرح الفرق بين المونوفونية والبولوفونية:فمثلا عندما يغني مطرب في أفريقيا أو في الصين,سوف تلحظ أن الآلات تعزف نفس اللحن الذي يغنيه المطرب, وهو ما كان موجودا عندنا حتي أواخر السبعينات من القرن الماضي, علي العكس مما يحدث في الدول المتقدمة فتجد أن اللحن يؤديه المطرب فقط بينما باقي الآلات تعزف ألحانا أخري مصاحبة تختلف في شكلها عن اللحن الأصلي, ولكنها جميعا تخضع لنظريات التأليف و قواعد الهارموني, وربما هذا ما يجعل العقل الباطن يتقبل تعدد الأصوات حسب قانون أنها كلها مسموعة وتحقق المتعة للمستمع, تماما مثل الماسة التي تعد أقسي الأحجار التي يصعب كسرها لكونها متعددة الأوجه علي صغر حجمها. ومن المعروف أيضا أنه حين تسمع المرأة الحامل موسيقي موتسارت بسيمفونياته وسوناتاته فإنها تعكس علي مزاجها العام وتزيد من ذكاء الطفل لأن في هذا اللون الموسيقي نوعا من التعادلية والمنطق الذي يجنح إليه الانسان بالسليقة, ونظرا لأن الموسيقي أهم الفنون بل الفن الوحيد المجرد فإن الطفل يستطيع أن يعي المنطق المجرد للأشياء و يقارن بين القول والفعل, والقول والقول, و الفعل والفعل, وتلك الثلاثية يقوم عليها نظام الحكم الجيد علي الأشياء و الأشخاص و الأعمال. عندما شرعت في كتابة هذا المقال كان بصحبتي الشاعر الدكتور هاني زكي وهو بالمناسبة عالم نفسي في جامعة فيلاديلفيا بولاية بنسلفانيا الأمريكية, والذي فاجأني قائلا ولكن هتلر كان ديكتاتورا, و كان الألمان يسمعون الموسيقي البولوفونية, قلت له نعم و لكن الفوهرر فرض عليهم سماع أناشيد فاجنر وغنائها بطريقة مونوفونية, وأيضا فعل غاريبالدي نفس الشييء مع القمصان السوداء عند توحيد إيطاليا, وهكذا كل دكتاتور يعلم أن الأناشيد الأحادية تجعل الشعب أطوع. وبإبتسامة عريضة قال لي الدكتور هاني زكي: و الله نظرية, وهو يقصد هنا أن النظرية تحتاج إلي برهان,لكنه نسيأن البرهان كثيرا ما يأتي كنوع من الإحصاء الرقمي, فنحن نعلم أن التدخين يسبب أمراضا معينة, لكن لا نملك من دليل غير الأرقام الإحصائية, ثم زاد من ابتسامته وقال: ولكننا الآن متأكدون بالاثباتات العلمية, وهنا توقف مابيننا من حوار. نأتي الآن إلي ذلك التغيير الدراماتيكي الحاصل في الأغنية المصرية الحديثة والذي جعل الشعب يقبل الحوار ويقبل الحرية ولا يقبل الدكتاتورية, وجعل قدرته علي ليست كما كان من قبل, وبالتالي لن يفرط في حقه بعد اليوم, فالانتفاضة التي حدثت في الأغنية الحالية مع قياس الفارق الزمني ما بين الذل و لجوء الرجل إلي البحث عن الكرامة حتي في الحب- وهو الموقف الصحيح للرجل أو المرأة من الحبيب- ينعكس أيضا علي الموقف السليم بين الشعب ومن اختاره لقيادته, ولعل إدراك الشاب حقيقة أنه لابد أن يحتفظ بكرامته وشخصيته أمام حبيبه لابد أن ينعكس علي احتفاظه بكرامته الانسانية بوجه عام, وأيضا حقه في الحياة والسعادة حتي في من يتولي أمر بلاده. والآن.. هل يمكنك أن تقول لي ماذا تسمع؟ أنصحك قبل الإجابة أن تقوم بتوسيع زاوية سماعك بحيث تشمل كل ثقافات العالم الموسيقية شرقا وغربا, واستمع جيدا ثم استمتع بموسيقاك الوطنية, فهذه الحصيلة الثقافية ستجعلك ترفض الذل والخنوع والخضوع والاستسلام, و ضع نصب عينيك في النهاية: أن من يستمع إلي الموسيقي المونوفونية يقبل بالدكتاتورية ويفضلها علي الحوار البناء والتعددية في الآراء التي تجعل الحياة الديموقرطية ترتقي بوطنه وتسعد أفراده.