حدث منذ بداية العصر الأموي, الذي كان مفتتح التغيير الجذري في منظومة الحكم بعد عصر الخلفاء الراشدين , أن يتم التهجم, لدرجة إنزال اللعنات علي علي بن أبي طالب وآله رضي الله عن الجميع من فوق المنابر ضمن خطبة الجمعة, وقد لفت ذلك أذهان المؤرخين الذين أشاروا إليه متعجبين ممن يسب عليا وآل البيت وهو يعلم أن صلاته لا تصح إلا بالصلاة عليهم في النصف الثاني من التحيات! وكان الاستثناء من خلفاء بني أمية هو الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز! تذكرت ذلك, وتذكرت معه مشهدا من مشاهد فتح مكة, عندما أخذ العباس أبا سفيان ليطل علي مشهد جيش المسلمين عند الفتح, وقد اختار العباس مضيقا جبليا أجبر الجند المسلمين علي أن ينفذوا واحدا تلو الآخر, فبدا الجيش كبير العدد لاستطالة الصف! وعندها قال أبو سفيان قولته المشهورة: إيه يا عباس إن ملك ابن أخيك قد أصبح اليوم كبيرا. ورد العباس بقوله الأكثر شهرة: إنها النبوة يا أبا سفيان وليس الملك! وفي أيامنا الراهنة وقد يكون في القياس فارق أو أكثر أجد كثيرا من قيادات حزب الحرية والعدالة وأعضائه ومعهم أمثالهم من جماعة الإخوان المسلمين يسبون ثورة يوليو وقائدها ويستنزلون اللعنات, وأحيانا يطيب للبعض منهم أن يستحل لنفسه توزيع الاتهامات بالكفر, وفي الوقت ذاته لا يتردد الرئيس محمد مرسي علي وجه الخصوص في استخدام مفردات ومضامين الخطاب السياسي لثورة يوليو وجمال عبد الناصر, ومن ذلك ما تردد منذ أيام في استاد القاهرة عن شعب يبني وجيش يحمي, وهو ذاته ما تردد في الخمسينيات والستينيات, وإن بمفردات أخري: يد تبني ويد تحمل السلاح! ولقد تكرر الأمر من قبل في كل اللقاءات الدولية التي قام بها الرئيس مرسي, وأظنه سيتكرر فيما بعد, خاصة إذا حرص الرئيس علي أن يمضي قدما في سياسته الخارجية الساعية لاستعادة مكانة مصر وقيامها بدورها الذي حتمته مصالحها الإستراتيجية وفرضته ثوابتها الجغرافية السياسية ومضامين تكوينها الحضاري الثقافي. وهي سياسة تفرض بدورها رفض الانكماش ورفض التبعية والذيلية لأي من كان, الأمر الذي يستتبع امتلاك الإرادة وضمنها أوراق القوة. إنني لست بصدد الاستنكار أو المعايرة لهذا الاعتماد الإخواني علي تراث يوليو وعبد الناصر, بل العكس أذهب كما كتبت من قبل وقلت في أكثر من لقاء علي الفضائيات إلي أن رصيد مصر الوطني; منذ دولتها الحديثة أيام محمد علي ومن بعده إسماعيل ثم جمال عبد الناصر, هو ملك لمصر كلها, وأنه رصيد ذهبي ثبت أن تبديده كما حدث في مراحل ما بعد1973 خيانة ما بعدها خيانة, وأن تاريخ الأمم ليس فقط ماضيها وإنما هو الاتصال بين ماضيها وحاضرها ومستقبلها, أما ما أنا بصدد استنكاره فهو الاستكبار والمعاندة والمغالطة التي تتم من جانب قيادات يفترض أنها بلغت سن الرشد السياسي والثقافي وأنها أعيد تأهيلها نفسيا وعقليا عبر الممارسة والتفاعل مع الآخر ومع ذلك يحكمهم منطق هذا ما وجدنا عليه آباءنا, فتراهم لا يفوتون فرصة إلا واستنزلوا اللعنات علي من لا يجدون سوي إنجازاته وخطابه السياسي مرتكزا لكل ما هو جاد ومفيد للوطن خارجيا وداخليا. وليس معني ذلك غض الطرف وتجاهل ما كان من سلبيات وأخطاء في الخمسينيات والستينيات, وإنما الأوجب هو تعظيم ما كان إيجابيا والاستفادة من دروس ما كان سلبيا. ثم انتقل إلي الحدث الثاني الذي ارتبط تاريخيا بفتح مكة, لأنني أظن أن قيادات العمل الجماهيري في الحرية والعدالة وجماعة الإخوان يحشدون الناس لتبدو قوتهم هي الغالبة, وأن ملكهم لأن النبوة انتهت بالرسول الخاتم صلي الله عليه وسلم هو الكبير, وكأنهم يرون الأمور بعيني أبي سفيان! إن الحشد والمغالاة في إظهار القوة علي تحقيقه دليل ضعف أكثر منه دليل قوة, لأننا جميعا نعلم وندرك ونتذكر الحشود التي كان يحشدها أحمد عز في الاستاد وغيره والحافلات وبدلات الأكل والشرب ومصروف الدخان التي كانت تنفق لجلب الحشود, خاصة إذا كان الحشد للمظاهر والمنظرة ولم يكن جيشا مجاهدا كجيش المسلمين في فتح مكة! إنني أضم صوتي لمن يناشدون الحزب والجماعة أن يرحموا مصر ورئيسها, وأناشد الرئيس أن يحمي الإسلام ومصر من الحزب والجماعة. ورحمة الحزب والجماعة للرئيس أمر لا يفترض أن يذهب الرجل إلي رحاب الله, لكن, كما يقول أهلنها من الفلاحين الرحمة تجوز علي الحي قبل الميت, وأول ما يجب في هذا الصدد, كما أتصور, هو انقضاء دور الجماعة بعد ظهور الحزب, لأننا طالما قرأنا تصريحات لهم تقول إن الجماعة ستحل نفسها فور قيام حزب يعبر عن أفكارها ومنهجها, لأن الحادث الآن هو أكثر من ازدواجية تشتت الجهد وتفتح المجال لمزيد من الصراع الذي حتما سينشب, وإن بدا الآن متواريا ومكتوما, لأن الغربال مازال مشدودا! وهو أيضا نموذج غير سوي يمكن لكثيرين أن يحذوه, خاصة من معتنقي دين آخر غير الإسلام, وعندها قل علي مصر السلامة, ويتبع هذا الأمر الأول سلسلة من الأمور يمكن إجمالها في أن الحزب الذي حاز الأغلبية البرلمانية والرئاسية لم يقدم ما يضعه في مصاف الأحزاب السياسية المحترفة التي حازت أغلبيات في دول ديمقراطية, ويكفي برهانا علي ذلك أنه لم يقدم إنجازا واضحا في المجالات التي تهدد الوجود المصري العضوي ذاته, ابتداء من هجوم الصحراء التصحر وهجوم البحر التبحر وتلوث التربة والمياه وتفشي الفشلين الكلوي والكبدي, وقس علي ذلك مجالات بدائل الطاقة وبرامج التدريب وغيرها, وهي مجالات مفتوحة للاجتهاد والعمل, وما يلفت النظر أن الجماعة في تاريخها الطويل نسبيا لم تقدم لمصر شيئا من ذلك, لكنها تفوقت في الكشافة والجوالة واستعراض القوة البدنية ومهارات حشد الجموع وتنظيم هتافاتهم. المزيد من مقالات أحمد الجمال