كنت وكثير من الزملاء قبل نحو عام, من المتشائمين بشأن إمكانية نجاح أي جهود لإصلاح منظومة الإعلام الحكومي والخاص في مصر. وما إن انتهت انتخابات الرئاسة حتي تحولنا إلي حال من التفاؤل بقدرة الجماعة الإعلامية علي إصلاح نفسها بنفسها, ولا غرو فقد نجحت الثورة في تمكين أحد رجالها من الوصول لسدة الحكم عبر صناديق الانتخاب, ومن ثم دارت عجلة الإصلاح برغم أنف ثعابين وحيات الدولة العميقة. إن صلاح القيادة السياسية المنتخبة سيعود بالضرورة علي المنظومة الإعلامية المصرية, فالناس علي دين ملوكهم, ولهذا يجب أن يتشجع المخطئون السابق ترهيبهم أو ترغيبهم علي مراجعة أنفسهم, والاصطفاف السريع إلي جانب الثورة والمجتمع والمهنية, وأكاد أجزم أن كثيرين من القائمين علي صياغة المحتوي ومتابعة فعاليات المجتمع لحساب وسائل الإعلام الرسمية, بدأوا يتغيرون نحو الأفضل, لن يطول بهم ما أكرهوا عليه من ارتباط بسلطة الحكم وبالفاسدين من رموز العهد البائد, أقول هذا برغم قناعتي أن من شب علي شيء شاب عليه, وأن من خلق ليزحف لا يستطيع أن يطير, كما تقول الحكمة الصينية, لعل تأنيب المجتمع والذات الإعلامية يسهمان في عودة الوعي, والتخلص العاجل مما شب عليه كثيرون داخل ماسبيرو, وفي المؤسسات الصحفية القومية, من خضوع أو خوف. دعونا نتفاءل بأن من جري ترهيبهم أو غوايتهم من الزملاء الصحفيين والإعلاميين في الأعوام الثلاثين الماضية, سوف يستردون عافيتهم المهنية, ويعودون إلي خدمة المجتمع وليس النظام السياسي.. الأصل أن الإعلامي السوي يحب الصدق والأمانة, ويكره أن يكون من أدوات التضليل والتعتيم والتسميم الإعلامي, وقد استشهدت في كتابي عن الصحافة التليفزيونية, بواقعة اعتذار الأستاذ حمدي قنديل عن تورطه في تصوير ما قالت أجهزة التعذيب في عهد ناصر, إنها اعترافات معتقلي الإخوان. الزميل الكبير برر ما فعله بأن كلا من وزير الإعلام حينذاك, عبدالقادر حاتم, وقائد الجيش المشير عامر, أمراه أن يذهب بكاميرات التليفزيون إلي مدير المخابرات صلاح نصر. وهناك أمره الرجل وجلادو الجهاز بأن يسجل بالصوت والصورة اعترافات معتقلي الإخوان, وكانت آثار التعذيب لاتزال علي أجسادهم. لقد علمنا المصطفي صلي الله عليه وسلم أن يلتمس المرء لأخيه سبعين عذرا, ولهذا فأنا أدعو إلي التماس بعض العذر لزملاء وزميلات في الإعلام الرسمي ممن مارسوا تضليلا أو تعتيما أو تشويها للمعارضة في زمن المخلوع مبارك وزبانيته, وصحيح أن الثورة لم تنجح حتي الآن في إزاحة كل كبار, وصغار وكبار منظومة الإعلام الحكومي, ممن ارتبطوا مصلحيا بالنظام البائد..ولعل منا من يستبطئون وزير الإعلام في عملية الإصلاح داخل ماسبيرو.وعلي الجانب الآخر, أي في وسائل الإعلام الخاصة, فمن أسف أن أساليب الغواية بالرواتب الفلكية من جانب بعض رجال الأعمال, تزداد وتيرتها, ومع ذلك يبقي التفاؤل مرهونا بهمة وغيرة الإعلاميين الشرفاء علي مهنتم وسمعتهم, ولعلنا لمسنا وقرأنا عن اجتماعات ومبادرات وتحركات عدد من الزملاء كي يسترد الإعلام المصري ريادته ونزاهته. ليتنا نصمم جميعا علي ألا يسمح مجتمع الثورة بأن يمتلك رجل أعمال وحده أو مع أسرته فضائية أو صحيفة خاصة كفانا ما فعلته ولا تزال تفعله بعض الفضائيات الخاصة, في مصر فيما قبل, وما بعد الثورة. ومع ذلك نقر بفضل فضائيات أخري في عمليات التثوير والتعبئة ضد النظام البائد,ولن تكون هناك أبدا حيادية في الإعلام, ما نطلبه هو المهنية, وتعني هذه الكلمة ببساطة مراعاة الإعلاميين أصول العمل الإعلامي ومواثيقه, وإذا كنا في المثل الدارج نقول من حكم في ماله فما ظلم, فيجب أن تعتمد جهود إصلاح منظومة الإعلام الخاص فورا مبدأ تغيير نمط ملكيته, إن تطبيق هذا المبدأ وتفعيله سريعا هو أهم الضمانات لتحقيق المهنية. أما بخصوص الإعلام الحكومي التابع للسلطة فيجب أن تنتزعه بسرعة من سيطرة نظام الحكم عبر مواد واضحة في الدستور, دعونا نفكر في نمط ملكية جديد لكل وسائل الإعلام الحكومية, فمثلا نحولها إلي أسهم ونعرضها كي يتملكها أكبر عدد من مواطني مصر, ولنضع حدا أقصي وشروطا للتملك, هذه الشروط من شأنها منع الاحتكار لنستحضر نمط ملكية ال بي بي سي في بريطانيا, وال إن إتش كي في اليابان, وثمة مشروع قانون قدم لمجلس الشعب قبيل حله, لتأسيس المجلس الوطني للإعلام,أرجو أن تهتم القيادة السياسية أكثر بهذا المشروع فتصدره بمرسوم رئاسي لحين عودة البرلمان, لقد تعاون علي إعداد المشروع مؤسسو المبادرة المصرية لتطوير الإعلام, وقد اشتمل كل مايضمن الاستقلالية عن السلطة وعن أصحاب رؤوس الأموال, بما في ذلك الحد من دور امبراطورية الإعلان في توجيه وسائل الإعلام.. ختاما لم يعد إصلاح الإعلام القومي والخاص يحتمل مزيدا من التأخير, وإلا تخلخل الأمن القومي والقيمي, وهددت الثوابت الدينية, وأجهضت مبادرات النهضة قبل أن تبدأ.