مع انتهاء مراسم تشييع جنازة الرئيس البولندي ليخ كاتشنسكي بدأ البولنديون التفكير الفعلي في مستقبل دولة واجهت مأساة غير مسبوقة. فقدت علي أثرها الرئيس وزوجته وعددا من كبار القادة العسكريين والمسئولين في مقدمتهم محافظ البنك المركزي, فضلا عن عدد من كبار السياسيين سواء من حزب الرئيس أو الأحزاب الأخري الرئيسية. وفي الوقت الذي رأي فيه بعض المحللين أن هذه المأساة رغم تخطيها حدود الخيال من المفترض ألا يكون لها تأثير علي الاستقرار السياسي في بولندا, وذلك لأن منصب الرئيس في جانبه الأكبر منصب شرفي, حيث تتركز معظم الصلاحيات في يد الحكومة التي يرأسها رونالد توسك زعيم الحزب الليبرالي, فضلا عن أن الرئيس قبيل وفاته بفترة واجه انخفاضا ملحوظا في شعبيته وشعبية حزبه إلا أن هناك رأيا آخر يري أن التداعيات السياسية لهذا الحادث ستظل موجودة لفترة طويلة وستؤثر تأثيرا كبيرا علي التطورات السياسية في بولندا وربما تؤدي إلي حالة من عدم الاستقرار وسيادة أجواء من القلق لدي المواطنين حول مستقبلهم. ومما يزيد من حالة التوتر تلك أن الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر أجراؤها في شهر أكتوبر المقبل سيتم تبكير موعدها وإجراؤها في العشرين من شهر يونيو القادم, طبقا لما أعلن أخيرا وهي الانتخابات التي سيكون شقيق الرئيس التوأم باروسلاف كاتشينسكي ممثل حزب القانون والعدالة ذو التوجهات اليمينية الواضحة, ورئيس البرلمان برونسلاف كومورفسكي القائم بأعمال الرئاسة حاليا ممثل حزب البرنامج المدني الليبرالي الحاكم هما أبرز المرشحين فيها, وإن كان الأخير هو المرشح الأوفر حظا في الفوز طبقا لمعظم التحليلات, خاصة في ظل إعلان رئيس الوزراء دونالد توسك انسحابه من السباق الانتخابي في وقت سابق. وفي الوقت الذي رجحت فيه التقارير قبل هذه الحادثة أن يكون الفوز من نصيب حزب البرنامج المدني الليبرالي بسبب التراجع الواضح في شعبية حزب القانون والعدالة, إلا أن وقوع هذا الحادث قلب الكثير من التوقعات, خاصة في ظل حالة التعاطف الشعبي الهائلة التي صاحبت الحادث, وانعكست في الصفوف الطويلة للمواطنين الذين وقفوا بالساعات لإلقاء النظرة الأخيرة علي الرئيس وزوجته في مشهد استد عي انتباه الجميع ودفعهم للقول إن هذه الكارثة وحدت الجماهير الذين رأوا الحادث ليس بإعتباره كارثة شخصية ولكنه بالأساس كارثة قومية وهو ما دفع البعض للتساؤل عن احتمال أن يساهم هذا الشعور في خروج الحزب من دائرة تراجع شعبيته, وهو سؤال يصعب التكهن بإجابته, خاصة أن من الصعب بوجه عام التكهن بالطريقة أو السرعة التي سيتمكن بها المجتمع البولندي من التغلب علي أحزانه, كما أن الغموض مازال يحيط بمستقبل حزب الرئيس الراحل, حتي بعد أن أعلن الشقيق التوءم للرئيس وأحد قادة الحرب عن نيته خوض الانتخابات. وبينما يري البعض أن أي مرشح للحزب بغض النظر عن اسمه, سيحصل علي تعاطف واضح من الجماهير وأن هذا التعاطف سيزداد إذا كان المرشح هو شقيق الرئيس خاصة إذا تمكن من إعادة الحيوية للحزب وإعادته للسلطة من جديد, فهناك علي الجانب الآخر من يري أن العواطف وإن كانت ستلعب دورا واضحا إلا أنها ليست عاملا وحيدا ففضلا عن أن الحادث أودي بحياة نائب رئيس البرلمان, فقد أود ي كذلك بحياة عدد من مساعدي الرئيس والمسئولين عن وضع خططه وسياساته وهو ما شكل ضربة قاسية لحزب القانون والعدالة. ومن ثم فإن هذا التعاطف سيكون مؤقتا خاصة عندما تهدأ المشاعر ويد رك الجميع أن الكارثة لم تقتصر علي هذا الحزب أو ذاك, ولكنها طالت كذلك شخصيات كان يمكن أن تلعب دورا أساسيا ملموسا وهو ما دفع البعض للقول إن الحملة الانتخابية المتوقعة ستكون هادئة ولن تشهد جديدا, فكبار السياسيين سيكون عليهم مواجهة اختبار مبكر لم يكونوا مستعدين له بعد, ولذلك ستكون هذه الحملة عادية في مجملها ولن تشهد نشاطا سوي في نهايتها أو إذا فشل أحد المرشحين في الحصول علي نسبة ال50% من الأصوات اللازمة, واضطروا لاجراء جولة إعادة ومن ثم فالجميع الآن في انتظار الشقيق التوأم ل ياروسلاف الذي سيضفي بعض الحيوية علي هذه الحملة الانتخابية بل إن البعض يعتقد أنه إذا تمكن من استعادة نفسه بعد فقدان شقيقه الذي طالما عرف عنهما ارتباطهما الشديد فمن المؤكد في رأي هؤلاء أنه سينجح في إعادة تشكيل الحزب, وسينجح بسهولة في أن يحل محل شقيقه. وأيا كانت التطورات التي ستشهدها بولندا خلال الشهرين المقبلين حتي موعد إجراء الانتخابات فهناك بعض التحليلات المتفائلة التي تؤكد أن الحادث رغم مآساويته فإن تأثيره السلبي لن يستمر طويلا علي السياسة البولندية ومنطقهم في ذلك أن النظام السياسي البولندي بدأت ملامحه في التشكيل واستطاعت بعض الأحزاب أن تحقق در جة معقولة من الاستقرار والنضج خلال العقدين الأخيرين وعلي صعيد السياسة الخارجية فلن تشهد حدوث تغيرات جذرية, فقد أصبحت بولندا عضوا في الاتحاد الأوروبي وحلت محل الناتو, كما أن لها مصالح واضحة مع محيطها الاقليمي وجميع المرشحين يتشاركون في هذه الرؤية أما سياستها الاقتصادية فسوف تظل طبقا للتحليلات ثابتة وحتي إذا تغيرت فسيكون التغيير في حده الأد ني ومن ثم فإن أقصي ما يمكن أن ينتج عن هذه الكارثة هو تغيير شخص الرئيس بينما سيظل الهيكل السياسي للبلاد قائما وقادرا علي الاستمرار.