سيبقي انتصار أكتوبر المجيد في الذاكرة تجسيدا لكفاءة المقاتل المصري, ورمزا خالدا يفتخر به كل عربي, ومهما تباعدت السنون لن ينسي الجيش الإسرائيلي مرارة الهزيمة, وقسوة المفاجأة.39 عاما مرت علي يوم السادس من أكتوبر عام..1973 ولاتزال الأسرار تتوالي عن خطط واستعدادات هذه الحرب الضارية التي أبهرت العالم بأسره, وأعادت إلي الأمة مجدها وعزتها. وفي هذه المناسبة تبدأ الأهرام في نشر سلسلة من التقارير والموضوعات والحوارات عن أكتوبر, تكشف فيها عن خفايا وأسرار جديدة, وترصد أهم العلاقات المضيئة التي أنارت الطريق, وفي مقدمتها خطة الحرب, وعنصر المفاجأة والبراعة في استخدام كل الأوراق المتاحة في أيدي العرب. قد يتصور البعض أن كل المعلومات والأسرار قد نشرت عن أكتوبر, غير أن الحقيقة تشير إلي أنه لا يزال هناك الكثير من الأسرار التي لم يكشف عنها. حرب اكتوبر علامة بارزة في تاريخ مصر الحديث باعتبارها بداية التطوير في الحروب الحديثة فلقد هزمت الحرب الكثير من العقائد والنظريات لدي العسكريين وخبراء الاستراتيجية في العالم ودفعت الخبراء والمتخصصين شرقا وغربا الي اعادة حساباتهم علي الأسس التي رسختها حرب73 سواء فيما يتعلق بفن القتال واستخدام السلاح او ما يختص بتكنولوجيا التسلح وتصميم الأسلحة والمعدات فضلا عن الجهد القومي والتلاحم بين أبناء الشعب الذي نحن في أشد الاحتياج له. هكذا قال لواء دكتور كمال عامر الخبير الاستراتيجي مشيرا الي أن حرب اكتوبر73 استطاعت تحطيم نظرية الأمن الاسرائيلي وأن تهدر نظرية الحرب الوقائية وعلي المستوي التعبوي التكتيكي حيث تغلبت قواتنا المسلحة علي أعقد مانع مائي ودمرت أقوي الدفاعات والتحصينات ودارت معارك عنيفة اشتركت فيها قوات بحجم ونوع لم يسبق حدوثه في المنطقة وقال إن حرب اكتوبر كان بدايتها الحقيقية قبل هذا التاريخ بست سنوات حفلت بجهود مضنية لاستعادة الأرض من خلال3 مسارات, الأول تمثل في الطرق السلمية عبر المسار السياسي التي قطعت مصر فيه شوطا كبيرا برغم الاقتناع التام بعدم جداوه إلا أنه كان ضرورة لاعادة البناء. وأضاف أن المسار الثاني تمثل في ازالة الركام النفسي واستعادة الروح القتالية واعادة البناء للقوات المسلحة والجبهة الداخلية مشيرا الي أن المسار الثالث كان النشاط العسكري المستمر والمتصاعد الذي لم يتوقف في مصر علي اسرائيل لمدة نحو3 سنوات الي أن قبلت مصر مبادرة روجزر بايقاف اطلاق النار عام.1970 وأشار الي أن الجميع اتفق علي أن اعداد الدولة للحرب بدأ في أعقاب هزيمة1967 وقناعة القيادة المصرية بأن هناك جولة رابعة للصراع يلزم الاعداد الجاد المكثف لها في كل نواحي الدولة اعدادا واقعيا شاملا. وأوضح أن نجاح الاعداد السياسي في المجال العربي والإفريقي وفي مجال دول عدم الانحياز كان له أثره في حشد الامكانات العربية ومشاركة العديد منها عسكريا واقتصاديا. وأشار الي أن مراحل اعداد القوات المسلحة تمت في اطار من الثقة والاقتناع بأن الانسان وليس السلاح هو الذي يحقق النصر وأن هذا النصر يجب أن ينمو في قلوب الرجال موضحا أن تم اعداد الاقتصاد القومي لأن الدعامة الرئيسية التي يتوقف عليها اعداد الدولة للحرب. وأكد أن إعداد الشعب شمل التغلب علي اليأس الذي صاحب الاحساس بهزيمة1967 وبناء الارادة المصرية بالايمان والعزيمة لازالة آثار العدوان علاوة علي اعداد أجهزة الدولة المختلفة بالتحديد الواضح للواجبات والمهام والتنسيق لتحقيق العمل المنسق بينهما في منظومة عمل واحدة تتغلب علي المصاعب والمعوقات. وأضاف أن مرحلة الإعداد للعملية العسكرية حفلت بالعديد من الأحداث الرئيسية كما تميزت بالانضباط والتفرغ لاعادة البناء لتكون القوات المسلحة قادرة في أسرع وقت علي استعادة الأرض حيث نجحت مصر في اتمام عملية اعادة البناء والاعداد الضخم في6 سنوات فقط متخطية في ذلك كل التقديرات الاستراتيجية. وأشار الي أن التخطيط للحرب كان جوهر نجاحها حيث التخطيط للحرب والتزام القيادة العامة للقوات المسلحة بالأهداف الاستراتيجية العسكرية مع الأخذ بعوامل وأسس ومبادئ الحرب من أهم عوامل النجاح في تنفيذ المهمة من خلال تدارك وتلافي الأخطاء التي حدثت في حرب67 مع وضع الأسس المنطقية المناسبة لتحدي نظرية الأمن الاسرائيلي والتخطيط لعملية هجومية شاملة وليس مجرد استنزاف او معارك محدودة مع الإعداد والتحضير و التخطيط الجيد لها. واستطرد أن تحقيق المفاجأة كان عن طريق الأعمال الخداعية منها التوسع في تنفيذ مناورات التدريب وفتح الممرات مبكرا في مضيق باب المندب والسرية المطلقة في التخطيط والاعلان عن اداء العمرة في الصحف علاوة علي تحقيق المبادأة لأول مرة في الحروب مع اسرائيل مع حرمانها من تعبئة احتياطاتها او توجيه ضربة وقائية. وأكد أنه بعد استكمال الاعداد والتخطيط وفي غضبة قوية انطلق رجال جيش مصر البواسل ومن خلفهم شعبها لتحرير أرض سيناء مقتحما قناة السويس يصاحب اقتحامه وتحرير أرضه صيحة الله أكبر من أبناء مصر مسلمين ومسيحيين. وتابع أنه في ساعات قليلة ارتفعت اعلام مصر فوق أرضها الطاهرة في سيناء وتهاوت العديد من النقاط الحصينة المنتشرة شرق القناة وفي بطولة نادرة وفن قتال راق.. قاتل أبناء جيش مصر امام الدبابات المعادية ليثبتوا أن الانسان وليس السلاح هو بطل هذه الحرب.