بداية يضع أمامنا أ.د محمود الناقة رئيس الجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس حقيقة مؤكدة مفادها ان كل المشكلات المرتبطة بضعف مخرجات العملية التعليمية سببها الرئيسي .. هو ارتفاع كثافة الفصول وهذا ما يمكن توضيحه علي عدة محاور اولها انه كلما زاد عدد التلاميذ في الفصل كلما تعددت الفروق الفردية وتباينت مما يلقي علي المعلم عبئا لا يستطيع القيام به وهو ان ينوع في اجراءات واساليب التدريس بالشكل الذي يقابل تنوع الفروق الفردية وهذا غير ممكن علي الاطلاق في ظل الزمن المخصص لكل حصة.. وثانيها ان الكثافة لا تتيح للمعلم ان يجيب علي كل الاسئلة التعليمية لكل التلاميذ في ظل زيادة الاعداد كما انه لا يستطيع ان يعطي اهتماما لضعاف المستوي من جانب والمتفوقين من جانب اخر ولايستطيع ان يعالج القضايا الخاصة بالتربية كالقيم والسلوك لان وقت الحصة لا يكفي الدرس التعليمي وبالتالي لا يمكن ان يستوعب الدرس التربوي.. وثالث هذة المحاور انه مع ضيق المساحة المخصصة لكل حجرة دراسية في كثير من المدارس وسوء الاثاث بها تصبح هناك عدة مشاكل في ان واحد ما بين ارتفاع الكثافة وسوء التهوية وسوء جلسات التلميذ في الوقت الذي يحتاج فيه استعاب المواد التعليميه الي جلسة مريحه هادئة. وبالاضافه الي ما سبق فان للكثافة تاثيرات اخري من الناحيه النفسية والاجتماعية حيث تتسبب في كراهيةالطلاب للمدرسة فتصبح بالنسبه لهم اشبه بالمعتقل الذي لا يرغبون في الذهاب اليه وتولد ايضا لدي المعلم كراهية المبني المدرسي واداء العمل. وهذا الأمر يقودنا الي جزئية اخري كما يضيف د.محمود الناقة تتعلق بان هذة الكثافات العالية في الفصول الموجودة في القري والمدن الان علي حد سواء تحتاج الي وجود معلم لديه القدرة علي ادارة الموقف التعليمي داخل الفصل وهذا في حد ذاته حلم نسعي الي تحقيقة.. وعلي الرغم من كل المشكلات المتعلقة بالكثافة والسابق ذكرها وحتي لا تصبح الصورة قاتمة الا انها تعد من ابسط مشكلات التعليم حلا لانها ذات طابع اقتصادي مادي يمكن حلها بزيادة عدد الفصول والمدارس المجهزة بالشكل اللائق لاستيعاب الكثافات الطلابية. تخطيط المباني التعليمية د.علي الشخيبي استاذ اصول التربية بكلية التربية بجامعة عين شمس يشير من جانبه الي ان ازدحام الفصول الدراسية ظاهرة مرتبطة بدرجة تقدم الدولة وعدد سكانها وامكاناتها الاقتصادية فالدول المتقدمة الغنية التي تتوافر لديها امكانيات بناء مدارس كافية ولا توجد لديها كثافة سكانية عالية لاتوجد بها بالقطع هذه المشكلة التي تعاني منها مصر هذا بالاضافة الي معاناتها ضعف تخطيط المباني التعليمية وعدم وجود توزيع اعتدالي للمدارس في المناطق الجغرافية المختلفة حيث نجد في بعض المناطق ذات الكثافة السكانية القليلة مدارس كثيرة والعكس صحيح فلا نتعجب حينما نجد في بعض المناطق ذات المستوي الاقتصادي المحدود كالزاوية الحمراء وشبرا الخيمة وامبابة كثافة عالية داخل الفصول تصل الي90 طالبا في الفصل وخاصة في المرحلة الابتدائية وهو ما يؤدي الي علاقة سالبة مع الناتج التعليمي فكلما كان عدد التلاميذ اقل كلما اتيحت الفرصة امام الطالب لاظهار امكاناته العقلية وكذلك اتيحت الفرصة امام المعلم للتفاعل المباشر مع الطلاب. ؟ الي وجه الخطورة في هذة القضية وهي ان الكثافة الزائدة ضلع اساسي في مثلث افساد العملية التعليمية حيث يقود الي الضلع الثاني وهو الرسوب الذي يقود بدوره الي الضلع الثالث وهو التسرب فكلما كان هناك ازدحام في الفصول كلما كانت هناك صعوبة في احصاء الغياب والحضور وهنا يحدث ما يسمي بالفاقد التعليمي حيث يتم الانفاق علي اعداد من الطلاب يتسرب الكثير منهم فتضيع الميزانية المخصصة لاجلهم وعلي الجانب الاخر فللقضية شق يتعلق بان الكثافة لايتحقق معها مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية بين الطلاب نفسيا وعقليا نظرا لان الكثافة مشكلة نسبيه تختلف من مكان لاخر. وهنا يجب ان ننبه الي ان الحل لا يكمن في تعدد الفترات كما هو الحال في بعض المدارس الان التي يوجد بها3 فترات وفي وقت ما الغيت الفترة المسائية وتم اضافة طلابها الي الفترة الصباحية فعادت المشكلة تطل برأسها من جديد, ويري د. علي الشخيبي ان الحل يكمن في اعادة تخطيط المباني المدرسية وفقا للاحتياجات السكانية واعادة توزيع المعلمين والمدارس علي المناطق الجغرافية المختلفة فليس من المنطقي ان تقوم مدرسة واحدة بخدمة قريتين او ثلاثة في الصعيد علي سبيل المثال كما يمكن الحل ؟ في برامج لتدريب المعلم علي التعامل مع الكثافات العالية داخل الفصول, مشيرا إلي أن الاتجاه العالمي الان يدعو الي تقليل كثافة الفصول الدراسية لكي تنجح العملية التعليمية حيث لا تتعدي الكثافة في الخارج عن24 طالبا في الفصل. الفصول الطائرة د.شاكر فتحي استاذ التربية المقارنة والاداره التعليمية بكلية التربيه جامعة عين شمس يلتقط خيط الحديث ليركز علي الاثر السلبيي للكثافه حيث يؤكد ان المعلم لن يتمكن علي الاطلاق من توصيل المعلمومه ولا تصحيح المفاهيم الخاطئة لدي الطلاب نتيجة للاجهاد النفسي والجسدي والعقلي الناتج عن تشتيت تركيزه مع هذه الكثافات بالاضافه الي مسئوليته عن ادارة الوقت داخل الحصه وكذلك السيطرة وتحقيق الانضباط في الفصل وهذا بالقطع يخصم من وقت العمليه التعليميه كما انه لا يستطيع ان يقوم بتجريب اشكال جديدة من التعليم كالتعلم النشط الذي يقوم من خلاله بتقسيم الفصل الي فرق عمل كما لا يتمكن من تطبيق الانشطه المدرسية اللازمه لاخراج طاقات الطلاب الكامنه وبالتالي تفقد العمليه التعليميه جانب مهم يتعلق بتنمية القدرات والمهارات لدي الطلاب وللكثافة ايضا مردود سلبيي يتمثل في نمط الادارة المدرسية الذي يتجه بالقطع الي استخدام اساليب القهر والسيطرة وعدم اعطاء الفرصه للنقاش والحوار وذلك لاحكام السيطره علي تلك الكثافات العالية من الطلاب مما يؤثر علي المناخ المدرسي وقد يؤدي الي فقدان الثقه في المدرسة. واذا عقدنا مقارنة مع دول عربيه اخري فيما يتعلق بكثافة الفصول ومنها سلطنة عمان عل سبيل المثال فنجدها لا تتجاوز30 طالبا في المدارس الحكومية كذلك نجد مدير المدرسة مشرفا فنة مقيم يستطلع راي الطلاب في الامور التعليمية والبيئية ويقيم معهم حوارا مستمرونجد بعد هذه الدول قد تغلبت علي مشكلة التكدس ان وجدت من خلال تطبيق فكرة الفصل الطائر التي تتمثل في تخصيص فصل او اثنين دراسيين علي مدي اليوم لاستقبال الطلاب لتلقي الحصص او الانشطة الرياضية والفنيه وذلك لامتصاص الكثافة من بقية الفصول ان وجدت. و للمعلمين رأي في كثافة الفصول باعتبارهم اهم عناصر العملية التعليمية, ويعبر عنه سعد عبد الرحمن مدرس لغة عربية, مشيرا الي ان المشكلة جسيمة بالفعل لصعوبة مراقبة سلوك هذه الكثافات العالية وهي تتوقف علي قدرات المعلم علي تحقيق الانضباط داخل الفصل واذا كان من الممكن حل مشكلة التصحيح للواجبات باتباع نظام التصحيح الجماعي فانه لابد من ايجاد حل جذري للمشكلة. سيمون داوود مدرس رياضيات يري انه اذا كان من الممكن التغاضي عن سلبيات الكثافة بالنسبة للمواد النظرية فان الامر يختلف تماما مع المواد العلمية والتطبيقية لان الطالب قد لا يتمكن من الرؤية ولا من سماع الشرح وبالتالي تكون هناك استحالة في الفهم خاصة في حالة وجود ضوضاء ومن هنا فان التوسع في انشاء فصول دراسية امر حتمي.