عندما قامت الولاياتالمتحدة بغزو العراق قبل نحو عشر سنوات, شاعت في أوساط النخبة كلمة المارينز المصريين, واستخدمت كوصف لكل من كتب مؤيدا أو متعاطفا مع الغزو. ولم أكن أتخيل أن يأتي اليوم الذي تطرح فيه مسألة الاستعانة ب المارينز الحقيقيين لحماية البعثات الدبلوماسية الأمريكية في بعض الدول العربية, عقب تصاعد حدة الغضب من واشنطن, بسبب أزمة الفيلم المسيء للرسول. حكومتنا الرشيدة قطعت الطريق علي هذه الفكرة وفضت اعتصام السفارة الأمريكية بالقوة, وتصرفت بحصافة أمنية, وجنبت البلاد الدخول في ورطة يمكن أن تكون لها نتائج سياسية واقتصادية سيئة. لكن رفضها لا يعني إلغاء الفكرة مستقبلا. فقد أرسلت الإدارة الأمريكية فعلا عناصر من المارينز إلي اليمن لحماية بعثاتها الدبلوماسية. ودفعت بقوة منهم إلي سواحل ليبيا. ولوحت بإرسال مجموعة أخري إلي كل من السودان وتونس, في محاولة لتهدئة الرأي العام واستعراض ملامح الهيمنة الأمريكية, التي بدت ضعيفة أمام مشهد مقتل وسحل السفير وثلاثة آخرين( بينهم رجلا مارينز) في بني غازي. وترمي فكرة الاستعانة بمشاة البحرية الأمريكية( مارينز) في هذه المهمة إلي تحقيق هدفين. الأول, تأكيد أن واشنطن قادرة علي حماية مصالحها بالقوة خارج أراضيها. وهو ما ترمز إليه شخصية جندي المارينز قوي البنيان مفتول العضلات صاحب المهام الصعبة. والثاني, الترويج لما يسمي ب دبلوماسية المارينز التي شاعت مؤخرا في القاموس المصري. لكن وسط التوتر الظاهر بين قطاعات كبيرة من الشعوب العربية والولاياتالمتحدة, سوف تتعرض بعثات أمريكا لمزيد من المضايقات. وبالتالي قد تلجأ لممارسة ضغوط سياسية علي الدول المراد منها قبول استضافة مزيد من عناصر المارينز. واشنطن عندما طرحتالفكرة, كان الرئيس باراك أوباما واقعا تحت تأثير حسابات ترميم سمعة بلاده التي تلوثت, جراء الإهانة التي تعرضت لها بعد مقتل أربعة أمريكيين في ليبيا. ويحاول معالجة النتائج السلبية التي تدفقت بكثافة علي حملته في الانتخابات الرئاسية, قبل أسابيع قليلة من اجرائها, وحرمان منافسه الجمهوري ميت رومني من جني أي ثمار سياسية من وراء أحداث السفارات الأمريكية. كما تجاهلت الفكرة تداعيات المشهد المثير لسحل عدد من جنود المارينز في الصومال منذ حوالي عشرين عاما. وهو المشهد الذي أدي إلي انسحاب القوات الأمريكية من هذا البلد المنكوب. الأمر الذي ألقي بظلاله علي ترتيبات وتوجهات الولاياتالمتحدة في منطقة شرق أفريقيا, و تغيرت سياستها من التدخل المباشر في أزمة الصومال إلي ادارتها بشكل غير مباشر من خلال وكلاء محليين وإقليميين, عقب أزمة المارينز.. بكلام آخر, ليس ب المارينز وحدهم يمكن تحقيق الأهداف السياسية وحماية البعثات الدبلوماسية, لأنهم موجودون بالفعل في سفارات متعددة, وفي حوالي90 نقطة ارتكاز علي مستوي العالم. كما أن هناك مجموعة من العقبات ربما تفرض علي واشنطن إعادة النظر في تطبيق دبلوماسية المارينز الجديدة. أبرزها, أن اللجوء إلي هذه الوسيلة ينطوي علي مساس بالسيادة الوطنية, لأن القانون الدولي يعتبر حماية أفراد البعثات الدبلوماسية من واجبات الدولة المضيفة. ووسط الأجواء المليئة بالتوترات في المنطقة والتي تبدو الولاياتالمتحدة قاسما مشتركا في معظمها, فإن عدد قوات المارينز الذي يصل إلي200 ألف عنصر, لن يكفي لحماية جميع البعثات الدبلوماسية الأمريكية. وتزداد المسألة حساسية, مع التلميحات والاشارات التي تظهر بشأن عدم استبعاد استخدام القوة مع كل من إيران وسوريا مثلا وما يحمله ذلك من ردود أفعال سلبية. وتتضاعف المشكلة في ظل عاملين. أحدهما, استمرار تباعد المسافات السياسية بين واشنطن وعدد من القوي العربية والإسلامية. والآخر, يتعلق بوجود جهات تعمل علي إشعال نيران الفتنة بين الإسلام والغرب, علي طريقة الفيلم المسيء براءة المسلمين. في كل الأحوال, هي دبلوماسية تجري وراء أهداف دعائية لحظية, لأن تنفيذها سيفضي إلي كوارث قاسية, لن تستطيع الإدارة الأمريكية الراهنة تحمل نتائجها, في وقت أصبح فيه الرئيس أوباما بطة عرجاء. المزيد من مقالات محمد ابوالفضل