مرت ذكرى مذبحة دنشواى الثالثة عشرة بعد المائة فى الثامن والعشرين من يونيو، وفى ذلك اليوم نفذّ المحتل الغاشم أحكام الشنق والجلد فى فلاحى قرية دنشواى ظلماً، بعد محاكمة صورية كان الغرض منها استهلاك الوقت ريثما يتم نصب منصة الشنق والجلد وسط القرية، فلما تم إعداد ساحة القتل والعذاب، أنهت المحكمة أعمالها بالحكم على أربعة فلاحين بالإعدام شنقاً وبالجلد والسجن على ثمانية آخرين وبالسجن على العشرات، فجمع جنود الاحتلال أهل القرية كلهم جميعاً من رجال وشباب وشيوخ ونساء وأطفال وفيهم زوجات المحكوم عليهم وأمهاتهم وآباؤهم وأبناؤهم والأحفاد حول المنصة ليشهدوا مصارع وعذاب أهاليهم، فلما ضاق بهم المكان حشروهم حشراً فوق أسطح المنازل المحيطة، ثم جاءوا بالمحكوم عليهم أمام هذا الجمع الملتاع، ونفّذوا الأحكام فى سادية وقسوة فضحتا للأبد حقيقتهم، فكلما شنقوا رجلاً تركوه معلقاً لنصف الساعة متدلياً من الحبل أمام نواظر المحتشدين يدور حول نفسه تذروه الرياح يميناً وشمالاً، بينما يلهبون ظهرى رجلين آخرين ممن حكموا عليهم بالجلد مشدودى الوثاق متقابلين حول الجسد المعلق، بسوط غليظ ذى ثمانية شعب، لا يبالون بصراخهما ولا بتضرعاتهما، ولا يتوقفون وإن أغشى عليهما من فرط الألم، وهكذا مضوا قدماً فى إخراج حفلهم الدموى إلى نهايته حتى وصفه شوقى بقوله: نيرون لو أدركت عهد كرومرٍ لعرفت كيف تُنَفَّذُ الأحكامُ وقال العقاد: «كنا أربعة نقرأ وصف التنفيذ فى أسوان، فأغمى على واحد منا ولم نستطع إتمام القراءة إلا بصوت متهدج تخنقه العبرات». إن دنشواى هى حلقة فى سلسلة جهادنا الطويل، ضد المستعمر ثم ضد الصهاينة ثم ضد الإرهاب، فنحن أمة فى رباط إلى يوم القيامة. ولست أفهم كيف لم تعتذر بريطانيا حتى يومنا هذا عن تلك الجريمة التى هى فى حق الإنسانية أولاً قبل أن تكون ضد مصر، وكيف لا يندى جبينها خجلاً إذا ما ذُكّرت بها أو ذكرتها.