«بدأنا وجع الدماغ».. جملة تكاد تصرخ بها معظم الزوجات المصريات مع بداية أى بطولة قومية أو عالمية لكرة القدم، بل إنهن يصرخن معظم الوقت من الأزواج الذين تركوا مسئولياتهم وهربوا إلى اقرب «كافيه» لمشاهدة المبارة، اى مباراة مع أصدقاء «الماتش».. «خناقات» ومشاحنات وشد وجذب بين الزوجة والزوج، هى ترى أنه هرب من المنزل ومسئولية البيت والاولاد، رغم أنها توفر له كل عوامل الراحة والسكينة التى تجعله لا يفارق بيته!!. وهو يرى أن من حقه أن يتابع هوايته المفضلة فى متابعة المباريات المحلية والعالمية،ويرتاح (حبتين) من (دوشة) البيت والأولاد، والغريب ان الزوجة التى (تقلب الدنيا) بسبب (ماتشات الكرة) وهى التى بنفسها تصطحب ابنها لتمرين كرة القدم فى النادى،وتسعد لدى استشعارها لمحة موهبة لديه،بل تدعو الله ان يكون لاعبا محترفا. إذن ما هذا التناقض فى التعامل، ولماذا تكره الزوجة المصرية كرة القدم الى حد اعتبارها (ضرة)، بل «ضرة» يصعب التخلص منها؟!. بدأنا ببعض الزوجات اللاتى انفعلن بمجرد الحديث عن هذا الموضوع،وقالت إحداهن وهى موظفة بإحدى شركات البترول: (والله تعبت خلاااص،جوزى اتجوز على الكرة،بعد عودته من عمله وتناول الغداء والنوم قليلا، ينزل ع الكافيه يشوف الماتش،اى ماتش،ويا ليته يتحرك من القهوة وينزل اى ناد يلعب،بل إنه لا يعرف حتى يشوط الكرة)!. وحينما ثارت هدى.م. مدرسة لغة عربية ورفضت مكوث زوجها المحاسب بإحدى شركات القطاع العام يوميا فى الكافيه،لارتفاع تكاليف المعيشة(والحكاية مش ناقصة كما تقول)،قالت (عادى،اصبح يشاهد الماتش فى البيت هو والأولاد،مع قزقزة اللب والسودانى والمشروبات الغازية، وكل واحد يشجع فريقاً،والبيت اتبهدل)!. لكن المهندسة المعمارية منى محمد تعالج «الهوجة» كما تطلق عليها بكثير من الهدوء والذكاء، وقالت لزوجها قبل بدء بطولة كأس الامم الإفريقية : «علينا قبل البطولة شراء «خزين البيت».. وانهاء كل «مشاوير الأولاد»..وزيارة الاهل والأقارب،اى ترتيب شئون المنزل لمدة شهر قادم،وتضيف «وكمان آخذ الموضوع بشياكة وأقول له» خلى بالك من نفسك، واستمتع..فمحل إقامتك نعلمه فى أقرب كافيه ومع أصحابك عشاق الكرة»، واضافت : «وبس كده،انا باعمل كده قبل اى هوجة ماتشات،لأن الزوج سينفذ ما يريد، وعلى فكرة هو بيشكرنى بعدها،وممكن يعزمنى انا والأولاد على الغداء فى اى مكان»!. متعة الزوج أما كل الأزواج الذين سألناهم فأجمعوا على ان مشاهدة الكرة هواية،قد تكون هواية سلبية لعدم ممارستها،لكن المشاهدة تحقق لهم متعة كبيرة،واضافوا ان الزوجة المصرية هى الاخرى أصبحت «نكدية»، فتقيم الدنيا بسبب الماتش.. وقال طارق فتحى محاسب ان مشاهدة كرة القدم متعته الوحيدة، فلماذا تحرمنى منها زوجتى، رغم عدم تقصيرى فى مسئولياتى الأسرية، وتابع: «انا حتى لا ادخن، فقط احتسى الشاى والقهوة، فهل هذا كثيرا على،بعد عناء يوم عمل، ولماذا تحدث أزمة لمشاهدتى أى مباراة مع اصدقائى مرة او اثنتين فى الاسبوع؟ عشق الكرة الدكتور محمد المهدى أستاذ الطب النفسى يفك هذا التشابك بين الزوجين، ويقول إن كثيرا من الأزواج مهتمون بمتابعة مباريات كرة القدم وربما يقضون ساعات فى هذا النشاط الممتع بالنسبة لهم، وربما يكون هذا مقبولا، حيث إن عشاق الكرة يجدون متعة هائلة فى مشاهدتها خاصة المباريات المهمة كنهائيات الدورى أو الكأس أو نهائيات القارات أو مباريات كأس العالم، وهذا وارد فى كل أنحاء العالم. لكن المشكلة تأتى حين يقضى الزوج أغلب وقته أمام الشاشة يتابع المباريات الحالية والقديمة أيضا،وينعزل تماما عن زوجته وعن أسرته فلا يعرف عنهم شيئا ويقصر فى حقوقهم أو يمنحهم الحد الأدنى من تلك الحقوق،وبعض الأزواج يقع فى حالة هوس المشاهدة أو إدمان المشاهدة لمباريات كرة القدم. والمرأة فى الأغلب ليست بهذا القدر من الاهتمام بمتابعة مباريات كرة القدم،على الرغم من أنها ربما تهتم بمصاحبة ابنها للنادى للمشاركة فى لعب كرة القدم أو السباحة أوغيرها من الرياضات، رغبة منها فى أن يصبح صحيحا جسمانيا أو أملا فى أن تكون لديه موهبة فيصبح بطلا رياضيا، خاصة بعد أن أعطى محمد صلاح لاعب الكرة المصرى العالمى الموهوب نموذجا متميزا للتفوق الرياضى والذى جعل كثيرا من الأسر يتوقون لأن يصبح ابنهم مثله. كائن عملى ويرى د.محمد المهدى عدم وجود تناقض بين رفض الزوجة مكوث زوجها ساعات امام المباريات، وبين حرصها على ممارسة ابنها كرة القدم، ويقول هناك فارق كبير وليس تناقضا لدى المرأة بين أن يمارس ابنها لعب كرة القدم وأن يتفوق فيها وبين أن يقضى زوجها ساعات طوالا جالسا بلا حراك أمام شاشة التليفزيون لا يفعل شيئا سوى «البحلقة» فى الشاشة و «قزقزة اللب أو الفول السودانى» والصياح الهستيرى من وقت لآخر حين يسجل الفريق الذى يشجعه هدفا فى مرمى الفريق الآخر.. فالمرأة كائن عملى تؤمن بالعائد وبالفائدة وتحرص على اقتصاديات الطاقة والوقت والمال والمشاعر وترغب فى أن تكون لكل شىء فائدة،وهى لا ترى فى هوس أو إدمان المشاهدة أى فائدة، بل هى تعانى فقد جلسات الدفء الأسرى واللحظات الحميمية الزوجية بسبب استحواذ شاشات القنوات الرياضية على زوجها الذى تكاد لاتراه ولا تستطيع الحديث معه فى أى شأن من شئون الأسرة،حيث عيناه مشدودتان إلى الشاشة ومترقبتان حركة الكرة ذهابا وإيابا ومتلهفتان إلى دخولها فى مرمى الخصم. لكن هل الزوجة تعتبر الكرة «ضرتها» فعلا كما يرى بعض الزوجات؟ د.المهدى يقول: فعلا، تعتبرها هكذا،ف «الضرة» مكروهة ومرفوضة من المرأة لأنها تستحوذ على اهتمام زوجها وقلبه ووقته وربما على ماله أو بعض ماله،فهى تسرق أو تخطف زوجها منها (بالتعبير النسائى) وهوس مشاهدة الكرة يصل إلى نفس النتيجة،خاصة لدى كثير من الأزواج الذين يفضلون تلك المشاهدة على المقاهى أو الكافيهات أو صالات الأندية الرياضية بحثا عن مزيد من المتعة والإثارة وسط مشجعين كرويين آخرين ووسط أجواء كروية دافئة. وإذا كانت الزوجة تحب زوجها وتحرص على استمرار قربها منه على الرغم من هوسه بالكرة فربما تحاول مشاركته هذه الهواية لبعض الوقت فتهتم بمتابعة ما يهمه من مباريات وربما تخرج معه لمشاهدتها فى المدرجات أو الكافيهات، ولكن المرأة ليست لديها رفاهية قضاء أوقات طويلة فى هذا النشاط خاصة تحت إلحاح احتياجات أبنائها وبيتها وربما عملها فتحدث فجوة فى التوقيتات رغم المشاركة فى الاهتمام. والمشكلة تكون أكثر حدة وتفاقما فى الزوجة التى لاتهتم بكرة القدم أساسا وربما تكرهها أو تعتبرها نشاطا عبثيا وبالتالى تصبح شديدة النقد والاحتقار لسلوك زوجها الذى تراه عبثيا..حيث ترك أو أهمل أسرته وزوجته وعمله من أجل هذا النشاط. وفى كل الحالات تصبح المشاهدة الكروية خاصة فى مستواها الهوسى والإدمانى مهددة لحق الزوجة فى القرب والاهتمام والحميمية وبالتالى تصبح «ضرة» لها خاصة فى مواسم البطولات الكروية حيث يأخذ الزوج اجازة مفتوحة من مهامه الأسرية لحين انتهاء الدورة الكروية.. إذن …فلاعزاء للزوجات المهجورات.