نشرت جريدة «الأهرام» كاريكاتيرا للموهوب صلاح جاهين يمثل تمثال أبوالهول وهو يتجه غاضبا من الجيزة إلى القاهرة احتجاجا على الاهمال والفساد خلال النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي. وابتسم القراء من جمال الفكرة وقسوة النقد وقوة التعبير. وكنت أتمنى لو أن «الأهرام» وهى تفتح ملف البناء المخالف بحرم منطقة الأهرامات قد أعادت نشر هذا الكاريكاتير البديع. وكان المجترئون قد اعتدوا أو نشطوا أو توسعوا فى عمليات البناء والارتفاع بالبناء حتى الدور الرابع فى أحد المنازل. ومثل هذا الاجتراء لم يتم سرا، بل على مرأى ومسمع كل المسئولين، ومع ذلك لم يتحرك أحد، أو فلنقل إنهم لم يروا مايحدث لأنهم كانوا يتابعون أمورا أكثر أهمية. وعندما فتحت جريدة «الأهرام» الملف ونشرت صور الاجتراء تحرك رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى وأشرف بنفسه على إزالة المخالفات.. ولمجرد العلم فقد استمر المحافظ فى موقعه، لم يستقل، ولم يقله أحد!! ومن المؤكد أن كل المسئولين على علم بإصرار الرئيس عبدالفتاح السيسى على إزالة كل مخالفات البناء سواء على أملاك الدولة أو على الأراضى الزراعية، والمبانى المخالفة للقانون، بالاضافة إلى التعديات على شاطئ النيل و بحيرات مصر. وكان الاجتراء على حرم منطقة الأهرام هو الأولى بالإزالة، ومع ذلك لم يكن الأمر يستحق أى اهتمام من جانب المسئولين بالمحافظة غير المحظوظة.ومن الطرائف الموجعة، إقدام أحد المحافظين على تجميل شوارع وحدائق الجيزة بنخيل مصنوع من البلاستيك مضاء بلمبات كهربائية ملونة مماثلة لتلك التى تستخدم فى الأفراح، وتعليقا على هذا السخف كتبنا مقالا بالأهرام تساءلنا فيه كيف تستخدم المحافظة نخيلا من البلاستيك فى بلد عرف الزراعة المنتظمة منذ 16 ألف سنة، أى 14 ألف سنة قبل الميلاد، وسألناه لماذا لم يلجأ لأشجار نخيل حقيقية؟ وقد تمت إزالة هذا القبح من شوارع وحدائق الجيزة فى نفس يوم نشر المقال وعندما علمنا أن أحد المحافظين قد وافق على اقتراح عدد من حيتان العقارات على اقتطاع مساحة من حديقة الأورمان لبناء عمارات عليها، كتبنا عن هذه الفضيحة، فتوقفت المحاولة، وأرسل لنا المحافظ ردا ينفى فيه تماما وجود أى نية للتفريط فى أى مساحة من الحديقة. ورأينا فى النفى قرارا باغلاق هذا مؤقتا. فالطامعون فى أرض الحديقة كثيرون ممن لا يعنيهم سوى الربح الوفير، فمثل هذا المشروع وفى هذه المنطقة التى يصل فيها سعر المتر المربع إلى ما يتراوح بين 30 و50 ألف جنيه يمكن جنى مئات الملايين من الجنيهات من بيع شقق الأبراج السكنية، ومن هذه المئات يمكن تخصيص نسبة كبيرة لمن يوقع أو يوقعون بالموافقة. وهؤلاء لا تعنيهم المساحات الخضراء ولا الأشجار والنباتات النادرة الموجودة بالحديقة ولا أهمية الحدائق لصحة المواطنين باعتبارها رئة أو إحدى رئات المدينة. إن مصر تذكر بكل الخير كلا من اللواء عبدالسلام المحجوب محافظ الاسكندرية الأسبق، الذى غير وجه كورنيش الاسكندرية وجعله أكثر اتساعا وجمالا ونشط فى مجال التطوير بكل الهمة والجدية، واللواء عادل لبيب الذى حول مدينة قنا إلى إحدى أجمل عواصمالمحافظات، سواء بإزالة التعديات الموجودة ورصف وتجميل الشوارع وإقامة الحدائق والاهتمام بالتشجير وأحواض الزهور. كما اهتم بنظافة المدينة وغيرها من مدن المحافظة، وعمل على تغيير السلوك التقليدى للناس إلى الأفضل. وعندما تحمل مسئولية محافظة الاسكندرية، لم يلجأ للترقيع، بل عمد إلى تغيير وتجديد المرافق بشكل جذري، المياه والكهرباء والغاز والصرف الصحي، بعدها أعاد رصف كل الشوارع، فعادت الاسكندرية لتصبح أكثر بهاء. لمَ نفتقد مثل هذا النوع من المحافظين القادرين على المبادرة والتفكير خارج الصندوق. لمزيد من مقالات عبده مباشر