كيف لهم بدم بارد ان يقتلوا أبناء الوطن؟. وكيف يحرقون القلوب هما وحزنا؟ كيف دبروا وخانوا ودمروا وذبحوا؟. ولماذا يحرمون طفلا من أبيه؟. وتحت أى لافتة يتحركون ؟وبأى ملة يعتقدون؟. وبأى روح شريرة يرتبون جرائمهم؟ تأتى الاجابة الصادمة بأن هؤلاء الارهابيين يستندون في أحيان إلى عدد من آيات الذكر الحكيم.. يفسرون آيات الجهاد به تفسيرا منحرفا خاطئا ويبثون هذه التفاسير عبر شبكات التواصل الاجتماعى. نحن فى هذا التحقيق سوف نعرج علي هذه الآيات ونقدم التفسير الصحيح -بإيجاز نأمل ألا يكون مخلا- ويتواكب مع مبادئ الاسلام السمحة ، وقد أعده نخبة من الباحثين فى مركز فتاوى التكفير بدار الافتاء المصرية بقيادة الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، حيث أكد الباحثون أن التفاسير الصحيحة تستند لديننا الحنيف وأقوال الآئمة السابقون.
قال الله تعالى: { فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} محمد: 4 الفهم الخاطئ: تستدل الجماعات التكفيرية بهذه الآية على أن ضرب الرقاب هو الذبح، ويقومون بقطع رءوس العزل والأسرى وهم يؤكدون أن ما يقومون به يأتى تنفيذًا لهذه الآية. الفهم الصحيح: إن هذا الفهم هو فى غاية البشاعة وهو افتراء على القرآن الكريم وتحريف لمعانيه وإلصاق جرائم ثلة من الإرهابيين بالوحى الشريف؛ لأن الآية تتحدث عما يقع من قتل العدو فى المعركة ويحصل اشتباك مع العدو ويقع القتل والأسر وغيره مما يحدث أثناء التحام الصفوف. والآية صريحة فى بيان ان الاسلام لا يمكن ان يقوم إلا بحفظ المسلمين من شرور الكافرين، والآية لا تبيح الاعتداء على الاخرين وان كانوا مخالفين فى العقيدة فهذه حروب وغزوات النبى صلى الله عليه وسلم تجدها بمجملها حروبا دفاعية يحافظ بها على أرواح وممتلكات المسلمين وحتى الغزوات التى حصلت فى حياته فإنها كانت لدفع بعض المؤامرات وكعمليات استباقية أجراها النبى صلى الله عليه وسلم قبل وصول الخطر إلى ديار الاسلام. وعموما فالآية الكريمة تبين أن على المسلم فى حالة إعلان الحرب ووقوعها أن يقتل الكافر، كما أن (فَضَرْبَ الرِّقَابِ) لا تدل على الذبح بل على شدة القتل.
{ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } المائدة:44 الفهم الخاطئ: تعتقد الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتشددة أن هذه الآية الكريمة تدل على مطلق تكفير كل من ترك حكمًا من أحكام الله وانطلقوا يكفرون المسلمين فى ربوع الأرض وصارت قضية الحاكمية هى أساس منهجهم المعوج ومنطلق جميع مفاهيمهم فى الجهاد والقتال حتى انتهى أمرهم بقتال المسلمين وقتل آبائهم وأقاربهم. الفهم الصحيح: إن من ترك الحكم بما أنزل الله كلية بحيث اعتقد أن حكمه أفضل وأقوم معاندًا ومنكرًا وجاحدًا لأحكام الله فقد كفر، أما من آمن وصدق وأقر بأن أحكام الله هى الحكمة والعدل والنور لكنه تعثر فى تطبيقها لضعف فى نفسه أو تكاسل أو بسبب معوقات وعقبات عرقلته عن تطبيقها مع كامل الإيمان والتصديق بها فهو مسلم ومؤمن لكنه عاص بمقدار ما أخل به من الأحكام, وهذا ما أجمع عليه الأئمة الكبار. ونجد أن الفرق التكفيرية من الخوارج مرورًا بجماعة التكفير والهجرة إلى الإخوان المسلمين وليس انتهاءً بداعش وأفرعها انطلقت من اتهام المسلمين بتعطيل أحكام الله ثم يتهمونهم فى دينهم ويكفرونهم، وما يترتب على ذلك من فهم مغلوط لجميع المفاهيم الإسلامية والآيات والأحاديث حيث يتهمون المسلمين بأنهم فى الجاهلية والحاكمية وغيرها من المفاهيم المغلوطة لدى تلك التنظيمات والجماعات.
الفهم الخاطئ: يزعم الارهابيون أن تلك الايات تحض على القتال والتربص بالمشركين فى كل مكان، وعلى القتل والإرهاب دون تمييز ودون وازع أخلاقى أو اتباع لمنهج النبوة فى الجهاد والقتال. الفهم الصحيح: هذه الايات تمّيز فى المشركين بين توجهات ثلاثة: أولاً: مشركون معاهدون للمسلمين، يحترمون العهود،والآيات تدعو المسلمين إلى الوفاء بالعهود لهؤلاء المشركين { إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَي مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (التوبة: 4). ثانيا: مشركون محايدون لم يحددوا موقفا – ضد أو مع – ويريدون أن يعلموا الحقيقة ليتخذوا لهم موقفا، وهذه الآيات تطلب من المشركين تأمينهم ووضع الحقائق أمام بصائرهم وأبصارهم، ثم تركهم أحرارا، بل حراستهم حتى يبلغوا مأمنهم، ليقرروا ما يقررون. ثالثا: فريق من المشركين يقاتلون المسلمين، والذين احترفوا نقض العهود مع المسلمين: { لَا يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ } (التوبة:10). فليس هناك تعميم فى قتال كل المشركين فى هذه الآيات، التى تعلق بها ويتعلق بها التكفيريون، الذين يصورون الإسلام على أنه دين قتل وإرهاب، لأن التربص والقتال فى هذه الآيات ليس لمطلق المشركين، ولا لكل المخالفين، وإنما هو رد لعدوان المعتدين الذين نقضوا العهود ونكثوا الأيمان وأخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من ديارهم، فمعيار الإسلام ودولته فى السلم والسلام أو الحرب والقتال، ليس الإيمان والكفر ولا الاتفاق والاختلاف وإنما هو التعايش السلمى بين المسلمين وغيرهم، أو عدوان الآخرين على المؤمنين بالفتنة فى الدين أو الإخراج من الديار. آية السيف: يقول الله سبحانه وتعالي: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }. (سورة التوبة: 5) الفهم الخاطئ: تستدل جماعات التكفير والإرهاب بهذه الآية على وجوب قتال الكفار حيث وجدوهم، فيقتلون المستأمنين والمعاهدين والسفراء والرسل فى أى مكان ودون جريرة إلا أنهم على غير دين الإسلام، ويقولون بوجوب قتل الكفار حال رؤيتهم بعد انسلاخ،أو انقضاء الأشهر الحرم. الفهم الصحيح: الاستدلال بمطلق هذه الآيات القاضية بقتال الكفار دون تقييدها بما دلت عليه الكثير من الآيات الأخرى هو نوع من أنواع التحريف ومن أبواب اتباع المتشابه وتضليل جماهير المسلمين. وقد أوَّلت تلك الفرق والتنظيمات – التى تتخذ من العنف عقيدة ومن الإرهاب دينًا – آية السيف تأويلاً فاسدًا وادعوا أنها وحدها نسخت أكثر من 100 آية من القرآن، وهو ما يؤصل لدى تلك التنظيمات أن العلاقة مع غير المسلمين هي: السيف والحرب والضرب، وأن كل ما ورد فى القرآن من أخلاق العفو والغفران والصفح والصبر والبر والقسط والتسامح فى التعامل مع الآخر، ذلك كله منسوخ بآية السيف. والنسخ معناه: «رفع الحكم الشرعى بدليل شرعى متأخر» وبموجب هذا المعنى، يصبح التعامل مع غير المسلمين بالبر والقسط والتسامح وعدم الإكراه فى الدين، حكما معطلا وقيمة ملغاة، والبديل الضرورى المقابل هو: الجفاء والجور والعنف والإكراه فى الدين، مع ما يستتبع ذلك – بالضرورة – من إشهار للسيف على الدوام، وتأجيج القتال والقتل أبدًا.. وبذلك فإن التنظيمات الارهابية تخالف قواعد الإسلام وأحكامه التى جاءت لتحفظ الدماء والأرواح. {وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّي يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَاتِلُوهُمْ حَتَّي لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ } البقرة:190-193 الفهم الخاطئ: تستدل الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة بهذه الآيات استدلالاً مغلوطًا وتفهمها فهمًا معوجًا فيجعلونها دليلاً لهم فى جرائمهم الشنيعة التى يرتكبونها باسم الإسلام من حرق وذبح وسفك للدماء باسم الإسلام والجهاد فى سبيل الله. الفهم الصحيح: اشتملت الآيات الكريمات على عدد من الضوابط والقيود الضامنة التى تجعل القتال مرتبطًا بالقيم الإسلامية النبيلة التى تحافظ على الأرواح ولا تزهق النفس التى حرم الله إلا بالحق، كما أنها تؤكد أن الجهاد يجب أن يكون خاليًا من العدوان محققًا لمقاصد الشرع الشريف فى القتال والجهاد الذى ينبغى أن يكون رافعًا للظلم حاميًا للبلاد والعباد لا أن يتحول إلى مجموعة أعمال إجرامية تسفك الدماء وتروع المسالمين. وتدل الآية على أن الأمر بالقتال هو رد فعل على العدوان فلا نبدأ بالعدوان فقال تعالى (الذين يقاتلونكم )،أى من بدأوكم بالقتال فلا يحل للمسلمين أن ينطلقوا من أنفسهم إلى أعمال القتل والذبح والتخريب. كما أن القتال الذى شرعه الله عز وجل لا يكون مستندًا إلى أفكار مغلوطة ولا قائمًا على ثأر أو اختلاف سياسى وليس مبنيًا على أن يحتكر الشخص الإسلام لنفسه ويكفر الآخر ويخرجهم من الملة ثم يعتدى عليهم ويقتلهم باسم الجهاد فى سبيل الله، بل قيد الله سبحانه وتعالى الجهاد والقتال الذى شرعه بأنه منزه عن تلك الأغراض والأهواء وأنه فقط فى سبيل الله ويتم به رفعة الإسلام والمسلمين. كذلك نهى الإسلام عن الاعتداء وتجاوز الحد فحذر من الاندفاع فى القتل والتشفى فيه أو التمثيل بالجثث أو قطع الرقاب أو ذبح البشر؛ ذلك أن المسلم إذا اضطر للقتال فإنه يقوم به بمقدار دفع العدوان ولا يتجاوز اندفاعًا وحمية، وأن على المسلم أن يتمسك فى قتاله بالقيم والأخلاق النبوية التى حث عليها أثناء قتال العدو. ٍ{ إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانالأنفال} : 12 الفهم الخاطئ: تستدل الجماعات والتنظيمات الإرهابية بهذه الآية على قطع الرؤوس والأيدى لكل من يخالفهم الرأى فيكفرونه،ويروعون المسالمين ويكفرون الأمة ويحملون السلاح ويطلقون على من يخطفونهم أسرى ويعملون فيهم الذبح. الفهم الصحيح: هؤلاء ضلوا ضلالا بعيدًا وأخرجوا الآية من سياقها يستشهدون بها خطًا فى فهمهم المعوج، وبالتالى يدخل هؤلاء الارهابيين تحت آية الحرابة فى سورة المائدة { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [المائدة: 33].
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المتقين } التوبة: 123 الفهم الخاطئ: تستدل الجماعات والتنظيمات بهذه الآية على استعمال القسوة والوحشية وإيقاع الألم والأذى بمن يختلفون معهم فيقطعون الرقاب ويذبحون البشر ويريقون الدماء بكل وحشية وببالغ القسوة. الفهم الصحيح: وردت هذه الآية الكريمة فى الإعداد المعنوى والتعبئة النفسية للجيوش الإسلامية التى تخوض قتالا عادلا حماية للمسلمين وصدًا لأعداء الدين ودفعًا للظلم والعدوان، فتحتاج هذه الجيوش إلى تشجيع وتحفيز منعا للوهن واليأس من أن يدب فى النفوس والقلوب.. فيأمرهم بتنظيم خططهم اثناء القتال بحيث يبدأون بقتال عدوهم الأقرب فالأبعد. وهذا معنى { قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} فمعنى يلونكم أى الأقرب إليكم، واحذروا أن يستفزكم العدو فتندفعوا إلى قتال العدو البعيد مما يتيح للعدو القريب أن يغدر بكم، كما يدعو إلى عدم الوهن النفسى والحماية من الإحباط فيشد أزرهم ويقوى عزيمتهم بقوله {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} أى كونوا عند المواجهة أصحاب قوة وهيبة لا تخافوا ولا تتخاذلوا.