على الدوام كانت مدينة الإسكندرية سباقة، فكونها مدينة كوزموبوليتية، جعلها ذلك تحاكى المدن الأوروبية فى التقدم والتحضر، إذ شهدت أول عرض سينمائى فى مصر، فى 5 نوفمبر عام 1896، أى بعد عام واحد فقط من أول عرض فى العالم بباريس، كما أنها شهدت تشييد أول سينما بمصر من قبل دار لوميير الفرنسية، التى كانت صاحبة اختراع التصوير السينمائى فى العالم كله. «بلازا» هى واحدة من أقدم هذه السينمات التى أنشئت قبل مائه عام، ومازالت قائمة حتى الآن، إلا أن الإهمال تسبب فى إغلاقها قبل سنوات وتحويلها إلى مقر لإلقاء القمامة، وسط مطالبات من سكندريين بتحويلها إلى متحف سينمائي، لعرض تاريخ دخول السينما فى مصر. يقول مينا زكي، مؤسس مبادرة «الجولة» للتعريف بالتاريخ والتراث السكندرى وتوثيقه، إن سينما بلازا هى واحدة من أقدم دور العرض السينمائى فى مصر وليس فى محافظة الإسكندرية فقط، تم افتتاحها فى عام 1911، أى قبل أكثر من مائة عام، وأنشأتها العائلة اللبنانية قرداحي، التى كانت تعيش بالمدينة فى ذلك الوقت. ويضيف «زكي» فى تصريحات خاصة لجريدة «الأهرام»، إنها تقع بجوار دار الأوبرا فى شارع فؤاد وسط الإسكندرية، وهو أحد أعرق شوارع المدينة، ويضم الكثير من الأماكن التاريخية والتراثية، مشيرًا إلى أن «بلازا» تُعَد أقدم سينما مازالت موجودة بالإسكندرية، بعد زوال دور السينما التى أنشئت فى حقب تاريخية متقاربة مثل الحضرة، وبورصة طوسون، ومقهى زواني. ويوضح «زكي» أن اهتمامه بتوثيق التراث السكندرى دفعه إلى تصوير مبنى السينما الذى أصبح مهملاً وتراكمت به القمامة، على الرغم من أن المبنى لم يهدم بالكامل، وذلك لتعريف المواطنين بتاريخها وأنها مازالت موجودة حتى الآن، ومن الطريف أنه يوجد بمدخل السينما أفيش فيلم امرأة للحب؛ بطولة الفنانين محمود ياسين وسهير رمزى وأنتج عام 1974، بجانب لافتة كُتب عليها «فيلمان كبيران فى بروجرام واحد». ويشير «زكي» إلى أنه نشر صورة السينما على الصفحة التابعة ل«الجولة» على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» ليفاجأ بوجود عدد كبير من السكندريين يعرفون السينما ومازالوا يحملون ذكريات عن الأفلام التى كانت تعرض بها، وتذكر البعض أنه كان يحضر العرض السينمائى بثمانية قروش، وفى أواخر التسعينيات كانت تعرض ثلاث حفلات بتذكرة واحدة قيمتها ثلاثة جنيهات ونصف الجنية. ويؤكد «زكي» أن مالك السينما الحالى تركها مغلقة لسنوات طويلة رافضًا بيعها لأحد، مشددًا على أنه قد تواصل مع مالكها للتفاوض على تأجيرها بهدف تحويلها إلى متحف أو معرض سينمائي، بالإضافة إلى دور عرض للأفلام القديمة والحديثة، وذلك للحفاظ على التراث، كونها السينما الوحيدة الباقية من أوائل السينمات التى أنشئت فى مصر. ومن جانبها؛ تقول الزهراء عوض، مرشدة سياحية، إن أول عرض سينمائى شهدته مصر كان فى مدينة الإسكندرية مساء الخميس الموافق الخامس من شهر نوفمبر عام 1896، وذلك فى بورصة «طوسون باشا»، مركز الحرية للإبداع حاليًا، وكانت مكونة من عدة طوابق، يتكون كل طابق من عدة صالات مختلفة المساحة والأغراض تستخدم فى الاحتفالات أو حفلات الرقص للجاليات الأجنبية، وتم عرض فيلم صامت، وهو ثانى عرض سينمائى فى العالم بعد عرض الفيلم بمقهى الجراند كافيه فى العاصمة الفرنسية باريس. وتوضح «عوض» إن هناك خبرا عن «البورصة» نشر فى جريدة «لاريفورم» الفرنسية التى كانت تصدر فى الإسكندرية باللغة الفرنسية الخميس 5 نوفمبر 1896، وأخر نشر فى جريدة «الأهرام» التى كانت تصدر فى مدينة الإسكندرية فى ذلك الوقت باللغة العربية يوم 9نوفمبر 1896، كتب فيه عرضت فى بورصة طوسون منذ أيام آلة ترى صور الأشخاص والأشياء على اختلاف أنواعها وأشكالها متحركة بجميع الحركات الطبيعية وهى آله «السينماتوغراف» المخترعة حديثًا. وتضيف الوثيقة؛ «وقد وصفناها منذ مدة فى مقالة مطولة كما يتذكر بعض القراء وصفًا دقيقًا جليًا، وقلنا إنها من أبدع الاختراعات العصرية وأجمل المناظر والمشاهد، ونحث الجميع على مشاهدتها، ولاسيما أن أجرة الدخول زهيدة لا تتجاوز أربعة قروش للرجال وقرشين للأولاد، وذلك ميسور كل نصف ساعة من الساعة الخامسة حتى الحادية عشرة بعد الظهر من كل يوم». وتوضح «عوض» أن أول «سينما توغرافي» افتتحت بالإسكندرية تعود لدار لوميير الفرنسية، وذلك فى منتصف يناير 1897، وحصل على حق الامتياز «هنرى ديللو سترولوجو»، حيث قام بإعداد موقع فسيح لتركيب آلاته، واستقر على المكان الواقع بين بورصة طوسون وتياترو الهمبرا، ووصل إلى مدينة الإسكندرية المصور الأول لدار لوميير «بروميو» الذى تمكن من تصوير «ميدان القناصل» وميدان محمد علي، وسط المدينة. وتشير «عوض» إلى أن هذا كان التاريخ الرسمى لدخول السينما فى مصر عن طريق الإسكندرية، وعقب ذلك بثلاثة أسابيع تم افتتاح سينما سانتى بجوار فندق شبرد فى القاهرة، وعقبها بشهر تم افتتاح أخرى فى بورسعيد، وكان أول إنتاج سينمائى مصرى فى 20 يونيو 1907، وهو تاريخ أول تصوير فيلم صامت لزيارة الخديو عباس حلمى الثانى لمدينة الإسكندرية.