لم أتعود على نقل أحزانى الخاصة إلى القارئ طوال 35 عاما من العمل فى مجال الصحافة، فالكتابة إليه من الأعمال العامة، أما الأحزان فهى خاصة جدا لا ذنب له فيها.. فلم أنع يوما صديقا أو أخا أو قريبا، إيمانا بهذه القاعدة الأخلاقية، غير أن فقدانى اثنين من أعز أصدقائى وزملائى لما يقرب من 30 عاما، جعلنى أتوقف كثيرا، ليس عند فكرة الموت، فالموت علينا جميعا حق، ولكن وقفت على عتبة السؤال: ماذا كان بين أكرم يوسف وربه، عندما يتوفاه الأجل بعد أن أتم صيام الشهر الفضيل، وقد كان فى قمة صحته وتألقه، وقبله بشهور قليلة مات خالد توحيد وهو ساجد بين يدى ربه وهو فى أتم الصحة والتألق أيضا. لم أجد إجابة عن هذا العمار الكبير بين العبد وربه إلا ما شهدته عنهما طوال حياتهما فى العمل الصحفي، كانا من عشاق المهنة، ولم تنل منهما اغراءاتها، فعاشا فى نزاهة وشرف، مهما تكن صعوبات الحياة، لم تمتد يد أى منهما إلى حرام، لم يعرف كلاهما فى عمله الابتزاز منهاجا أو الابتذال طريقا، كانا يسيران فى خط مستقيم، كانت سعادة أى منهما فى موضوع يكتبه لا يبغى من ورائه أى مصلحة خاصة. تري.. هل النزاهة والشرف أمر هين على المولى سبحانه وتعالي؟ .. أبدا والله.. إنها تطبيق حرفى لمقولة، إنما الدين المعاملة.. فلا خسة ولا مؤامرات، ولا استباحة لأى نقيصة فيما فرض على أى منهما من صراعات العمل . طوبى لمن عاش لمبادئه ونقائه، ولم تغره الدنيا بمفاتنها ومالها، حتى وإن وصفوه بقلة العقل، وعدم النصاحة، وهى تهمة تواجه كل مشهور لم يجن الملايين من المال. شكرا وحمدا لله عز وجل أن جعلنا من هذا الجيل الذى تربى فى بيت عائلته على معانى الحلال والحرام بكل صرامة.. وشكرا لأساتذتنا الذين أصلوا فينا هذا المفهوم منذ بدايتنا، فلم أفهم إلا بعد سنوات طويلة أن ذلك كان أهم معايير الانتقاء التى وضعها الأستاذ إبراهيم حجازى وهو يجمعنا لإصدار مجلة «الأهرام الرياضي» قبل 30 عاما. اللهم اكتبنا من الذين ادخرت سعادتهم إلى يوم لقائك.. وثبتنا اللهم على ما جعلتنا عليه.. وأبقنا من الراضين بحكمك وقضائك.. وارض عنا يا أرحم الراحمين. لمزيد من مقالات أسامة إسماعيل