تابعت وغيري، لحظة وصول الإرهابى هشام عشماوى إلى أرض الوطن، كما تابعت، ردود أفعال الناس، والتى غلفتها مشاعر الكره البين له و لأفعاله الخسيسة، وظهرت المقارنات بين هذا الخسيس، وبين الشهيد البطل أحمد منسي، الذى خلٌد إسمه بحروف من نور فى سجلات العظماء. وللحقيقة سيذكر التاريخ منسى ورفاقه، وبطولاتهم، فى صفحات ناصعة البياض، وستظل سيرتهم تتردد على ألسنة الناس بفخر وعزة وبهجة، وهم مدركون أنهم أحياء عند ربهم يرزقون. أما عشماوى ورفاقه، فسيظل التاريخ يذكرهم، فى صفحات شديدة السواد، متدثرين بأفعالهم الدنيئة التى لوثت أيديهم بدماء الأبرياء، مثلهم، مثل باقى الخونة من المضلين، المسافة بين الإثنين، كما المسافة بين السماء و الأرض. منسى و رفاقه، جلبوا الفخر لأنفسهم ولأهلهم جميعا، أما عشماوى وأمثاله، فقد جلبوا العار لهم ولأهلهم، وستظل سيرتهم بقعا سوداء فى سجلات عائلاتهم على مر التاريخ، وبسببهم قد تتدمر حياة آخرين لا ذنب لهم، سوى أنهم على صلة بهولاء الآثمين. أكتب عن هذا العشماوي، وأنا أشاهد أخبار القبض على أحد الفاسدين، بتهمة تلقى رشوة مقابل تسهيل القيام بعمل غير قانوني، وأنا أتابع هذه الأخبار، أتخيل ما يحدث لأسرة هذا الفاسد، فقد جلب لها العار من أوسع أبوابه، ودنس سمعتهم، ولوث تاريخهم، وجعل الخزى يلاحقهم أينما ذهبوا. ثم أعود وأتساءل، ألم يتعظ هؤلاء، وأمثالهم من أخبار القبض على الفاسدين، التى تتكرر بصفة دائمة، أم أن الشيطان أعمى عيونهم، وسد آذانهم، وسول لأنفسهم أنهم أكثر ذكاءُ من غيرهم، بدرجة يصعُب معها كشفهم. وهل يمكن أن تكون أخبار القبض على الفاسدين رادعة لغيرهم؟ يبدو أن الفساد داء لعين، حينما يُصاب به أحدهم، يتحول من شخص منضبط، لآخر فاسد، يستحل الحرام، معتقداً أن مقعد المسئولية الذى تولاه هو ميراث كامل له، يعطيه الحق فى فعل ما يريد، إلى أن يفيق من غفوته، لحظة القبض عليه. فى تلك اللحظة فقط، يكتشف ما فعله بأهله من سوء سيطاردهم أياما لا تنتهي، تماما، مثلما اكتشف هشام عشماوى أن ما فعله بوطنه من جرم لن يمحوه التاريخ، فكلما ذُكر اسمه، فتحت سجلات الخونة و المارقين. حينما يتم القبض على أحد الفاسدين، تُفتح سجلات السابقين، نتذكرهم ونشير إليهم بالفحشاء المبين، فكما أتذكر لحظات القبض على كثير من الإرهابيين، أتذكر أيضا لحظات مشابهة للقبض على عديد من الفاسدين. فى بلدنا، هناك رجال أشداء، شقوا الطرق، على مدى اليوم، واصلوا الليل بالنهار، لنشاهد منظومة مُبهرة لأعمال رائعة ما كانت تحدث بهذه الحرفية ولمهارة، إلا بالإخلاص والتفانى فى العمل. هؤلاء الرجال حفروا الأنفاق، وشيدوا الجسور والكباري، وبنوا المدن والمصانع، وحولوا القبح، لجمال براق، لتتحول تل العقارب، على سبيل المثال، لواحة السيدة، فتتخلص مصر من سرطان العشوائيات بإرادة وإبداع غير مسبوقين. الشاهد أن هناك بناء متصلا لا يتوقف، فى كل شبر من أرض مصر، يقوم به الشرفاء فى كل القطاعات، وفى المقابل هناك فاسد، يسرق قوت هذا الوطن، وقوت مواطنيه، يتلذذ بطعم الحرام، فهو لا يستطيع أن يعيش دونه. يعطى لنفسه حقوقاً ليست له، ليفعل ما يشاء، فهو يزرع الفساد، ليجنى من ورائه الذل و المهانة، فإن لم يُكتشف فساده بين العباد، فهو لا يخفى على ربه، وسيصيبه من جراء عمله، ما يبرهن له أن زارع السوء سيجنيه، كما أن زارع الخير، سيُجزى به. فكلما تأتى سيرة أحد المخلصين، أمثال منسي، أتذكر الشرفاء الكادحين فى عملهم، وهم كثيرون، يعملون بإخلاص وتفان، ضميرهم يقظ، يحاسبون أنفسهم، قبل أن يُحاسبوا، يجتهدون فى أعمالهم، ليتنعموا بأكل الحلال. هؤلاء يمكن مشاهدتهم فى أماكن كثيرة، يؤدون عملهم لخدمة وطنهم، آملين أن تُذكر أسماؤهم بالخير، تجدهم فى جهات عديدة، كلما جاء ذكر أحدهم، تجد سيرته طيبة، محمودا بين الناس، مقروناً بسمعة حسنة، والأمثلة كثيرة، موجودة على صفحات التواصل الاجتماعي، حين نرى أُناسا بسطاء يذكرون مواقف مشرفة لمسئولين، مؤكدين مدى صدقهم وتفانيهم فى أعمالهم، نماذج مضيئة ومشرفة، تضيء هذه الصفحات. هؤلاء المخلصون، لهم بصمات عظيمة وخالدة، على كل عمل طيب تم أداؤه و إنهاؤه على الوجه الأكمل، فعلى قدر التفانى والإخلاص والعطاء، والجهد و العرق، يأتى التقدير والتمييز، والوفاء. أما الفاسدون، والمفسدون، فكل منهم، بمنزلة عشماوى آخر، فى رأيى لا يقل جرمه عن جرم عشماوي، فهم يقتاتون على مقدرات الوطن، يغتالون حقوق أبنائه، متوسمين فى أنفسهم ذكاء غبيا، يُعضٌد مسلكهم السيئ، نحو أكل الحرام. لم تقنع وقائع القبض على الفاسدين، وهم متلبسين، أقرانهم، وإلا كانت إنتهت حالات الفساد، كما لم يردع عشماوي، ما فعلته مصر مع الإرهابين، وتخيل أنه الأذكى و الأمهر، وأنه يستطيع أن يفعل كل موبقاته، دون أن يتم القبض عليه. وهو ما يحدث مع الفاسدين، الذين يمارسون فسادهم، وهم على ثقة أنهم بعيدون عن الوقوع تحت طائلة القانون، حتى تقع الفأس فى الرأس، ويصيب جرمهم ذويهم، ليلحق بهم الذل والمهانة، ولعلها فرصة لأن يراجعوا أنفسهم لتصويب مسارهم، حتى لا يكون مصير الخونة مصيرهم. [email protected] لمزيد من مقالات ◀ عماد رحيم