يأتى الشهر الكريم بما يحمله من مشاعر روحانية ونفحات إيمانية ليكون بمثابة فرصة لمراجعة النفس ومعالجة القصور وتجديد الروابط الربانية.. لذا فقد تلجأ بعض الفتيات لتغيير عاداتهن وسلوكياتهن بالالتزام بالحجاب وارتداء الملابس المحتشمة والتخلى عن مستحضرات التجميل، ومنهن من يقمن بذلك رغبة فى التقرب إلى الله واستكمال الطاعة. وفى الوقت الذى يشجع البعض ذلك عسى أن يكون التزامهن فى الشهر الكريم بداية جديدة للتغيير ومجاهدة النفس حتى وإن لم يستطعن الاستمرار بعد رمضان، فهن يتعرضن لانتقاد آخرين بأن ما يقمن به يعد «طاعة مؤقتة» وتلاعبا بالدين وأنه أمر سلوكى وليس دينيا وربما يعد صراعا نفسيا داخليا بين طبيعة الشخصية والقيم الدينية، وأن الفتيات يقمن بهذه التصرفات لإهتمامهن بالنظرة الاجتماعية وأن الهدف منها عدم التعرض للانتقاد مما يعد نوعا من الإزدواجية فى الشخصية لديهن وأنهن يسعين لإرضاء المجتمع فقط. وسألنا بعض الفتيات عن آرائهن حيث تقول سارة، 25 عاما: «حرصت خلال فترة الثانوية العامة والجامعة، قبل أن التزم بالحجاب بشكل دائم، على ارتداء الحجاب فى رمضان تخوفا من ألا يتقبل صيامي، وأرغب فى الحصول على الثواب كاملا، وكنت أتعرض للنقد من بعض زملائى والسخرية من أننى أخاف الله فى رمضان فقط واستكمل معصيته بعد رمضان، فى حين كانت تشجعنى أخرون بالإطراء عليً وتشجيعى بأن الحجاب يليق بى ويدعون لى بأن التزم به «. أما هالة، 30 عاما، فتقول: «أنا لست محجبة ولكننى اعتدت ارتداء الملابس المحتشمة، ولكن أتخوف من أن يكون صيامى غير مقبول بسبب عدم ارتدائى الحجاب مما جعلنى ألجأ لأحد الشيوخ للتأكد وعلمت منه اننى سأحصل على ثواب صيامى وصلاتى مادمت التزم بالزى الشرعي، والذى يكون ساترا للجسم ماعدا الوجه والكفين بحيث لا يكشف ولا يصف ولا يشف، ولكنى أظل مسيئه بتركى للحجاب». أما نهي، 28 عاما، فتقول: «مجاهدة النفس وسط ما نعيش فيه أمر صعب للغاية .. فمع بداية كل رمضان أحاول أن يكون بداية لى للالتزام، ولكنه أمر غير يسير، فقد فكرت فى ارتداء الحجاب فى رمضان أملا أن التزم به بشكل دائم، ولكننى أعلم أننى لن أستطيع الاستمرار به مما يجعلنى أشعر أن ارتداءه فى رمضان فقط سيكون نوعا من النفاق، والأمر ذاته فى مستحضرات التجميل فأحاول التقليل من إستخدامها ولكنى لا استغنى عنها بشكل كامل .. ولكن لدى قناعة بأن التوبة لا تتوقف على شهر رمضان فقط بل إن الله معنا فى كل وقت». فى حين تقول شيماء، 38 عاما: «احتشام الفتيات بشكل أكبر والتخلى عن مستحضرات التجميل احتراما للشهر الكريم قد يكون خطوة جيدة للتقرب لله والألتزام، حتى وإن تراجعن عنها لاحقا فباب التوبة مفتوح دائما، ولكن للأسف مجتمعنا ناقد بطبعه، فإذا التزمت الفتاة بالحجاب والاحتشام فى رمضان فقط تعرضت للتهكم والسخرية وإذا لم تقم بذلك تعرضت للنقد وانهالت عليها النصائح». وتعليقا على مواقف الفتيات يقول الدكتور أحمد ممدوح، امين الفتوى ومدير إدارة الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية : «فرض الله على المرأة المسلمة المكلفة ستر جسدها أمام الرجال الأجانب عنها سوى الوجه والكفين، والتفريط فى الالتزام بهذا مخالفة شرعية تستوجب التوبة منها. وشهر رمضان شهر فضيل يقبل فيه الناس على الطاعة والتخلى عن المعاصى والالتزام بما يقع منهم التقصير فيه قبله؛ فإذا كان هناك سيدة لا تلتزم بالحجاب فى غير رمضان لكنها تلتزم به فى رمضان لا نقول لها أنت متناقضة أو منافقة أو متلاعبة بالدين بل نقول لها أحسنت بالتزامك بالحجاب والاحتشام فى رمضان ولعل ذلك يكون سببا لاعتيادها عليه وانشراح صدرها بالالتزام به فى مستقبل الأيام، وينبغى علينا أن نرغب الناس فى الطاعة ولا نسد عليهم أبواب الرحمة ولا نزهدهم فى فعل الخيرات بحجة أنه يشترط لها الدوام عليها بل من يفعل تارة ويترك تارة خير ممن لا يفعل مطلقا».