منذ أكثر من عام، ومرضى اللوكيميا المزمنة (سرطان الدم) ممن تشملهم مظلة التأمين الصحى فى معاناة حقيقية أضيفت إلى معاناتهم من المرض ذاته، وذلك بعد أن قررت وزارة الصحة استبدال العقار الذى كان يتم صرفه لهم بعقار آخر بديل، فكانت النتيجة أن تراجعت حالتهم الصحية، وعادت المواد السرطانية تغزو دماءهم من جديد. يقدر لنا أحمد عوض، مصاب بالمرض ومؤسس جمعية رعاية مرضى اللوكيميا المزمنة عدد ضحايا هذا المرض فى مصر بنحو 7 آلاف مريض، وهو كما يظهر من اسمه، ينتمى للأمراض التى يتحتم على صاحبها تلقى العلاج مدى الحياة، حتى يتمكن من التعايش معه. المشكلة الآن كما يقول عوض، أن العقار البديل الذى قررت وزارة الصحة صرفه للمرض غير مسجل فى هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية (FDA)، أو على موقع منظمة الصحة العالمية، وهو ما يعنى أنه غير معترف به دوليا، حيث قام بالبحث على موقعى المنظمتين على الإنترنت، باسم المادة الفعالة، لتظهر فى نتائج البحث الأسماء التجارية المتضمنة لتلك المادة، فلم يكن العقار البديل من بينها، عوض يعالج على نفقة الدولة حتى الآن بالعقار الأصلى وحالته مستقرة، لكن المشكلة فى مرضى التأمين الصحى الذين تدهورت حالتهم الصحية، فيقول:« وردت إلى الجمعية شكاوى عديدة بسبب تغيير العلاج، فهناك من دخل فى غيبوبة تامة لمدة أربع ساعات دون سبب واضح، وهناك من أصيبوا بأنيميا حادة، فضلا عن آلام العظام المبرحة، ويكفى أن نعلم ثمن العلبة من العقار الأصلى ونقارنها بمثيلتها من العقار الثاني، فالأول سعره 12 ألف جنيه ( تكفى لشهر)، بينما الثانى فعلبته سعرها 400 جنيه (يحتاج المريض إلى ثلاث علب فى الشهر)، ومن المعروف أن العلاج يصرف لمرضى التأمين الصحى مجانا، ومن الصعب على المتضررين تحمل العلاج على نفقتهم الخاصة. المشكلة الثانية كما يشير عوض، هى أن من كان يعالج بالعقار الأصلى ثم يتناول البديل، لا يمكنه العودة إلى العقار الأول، لأن جسده لن يستجيب له. عوض أرسل استغاثة لرئيس مجلس الوزراء منذ عام تقريبا لكنه لم يتلق أى رد حتى الآن، كما تلقى وعدا من الإدارة المركزية للشئون الصيدلية بوزارة الصحة بمتابعة الأمر، واتخاذ القرار الذى يناسب المرضي، لكن لم يتلق ردا منها كذلك. إبراهيم - سائق يعيش فى الإسكندرية - عولجت زوجته لسنوات بالعقار الأصلى واستقرت حالتها، إلى أن غير الطبيب المعالج لها العلاج إلى »البديل«، حيث تدهورت حالة زوجته بعد 8 أشهر من تناول العقار الجديد، وأقر الطبيب أنه ليس بديلا جيدا، لكن للأسف ليس أمام زوجة إبراهيم سوى الاستمرار عليه، فزوجها لا يستطيع شراء العقار الأصلى أو أى بديل آخر جيد على نفقته الخاصة. أما أحمد فكان حظه أوفر، فبعد أن اكتشف المرض فى مايو 2017، صرف له الطبيب المعالج العقار الأصلى واستمر عليه لمدة شهر، وكانت النتيجة مبهرة، إلى أن تم تغيير العلاج إلى »البديل«، فزادت من جديد نسبة المواد السرطانية لديه إلى 32% بعد أن كانت قد انخفضت إلى 9%، وبعد تغيير المستشفى الذى يعالج به، كتب له الطبيب دواء آخر، فعادت حالته للتحسن من جديد. ( الدواء الجديد أغلى من العقار «الأصلي» (العلبة ثمنها 21 ألف جنيه). أميرة لها قصة مشابهة وإن كانت تحمل فى طياتها بعض التفاصيل التى يجب ألا تمر مرور الكرام أمام كل من يهمه الأمر، فمنذ اكتشافها المرض منذ أربع سنوات تقريبا، بدأت العلاج بالعقار الأصلي، وكانت تتابع مع طبيب فى المعهد القومى للأورام، واستمرت فى تناوله لمدة ثلاثة أعوام تقريبا، حتى فوجئت بالطبيب نفسه يصرف علاجا آخر، قيل لها ولغيرها من المرضى إنه بديل بالمادة الفعالة نفسها، وأن الفرق هو الاسم التجاري، بدأت أميرة فى تناول العلاج الجديد لكن بعد أن كانت نسبة المواد السرطانية فى دمائها 6% بدأت النسبة تزيد من جديد، فاتهمها الطبيب بأنها تهمل فى تناول الدواء، برغم أنها كانت تتناوله بانتظام، وشكت له سوء تغليفه، وهشاشة الحبة وقابليتها السريعة للتفتت، فضلا عن طعمه شديد المرارة والمفضى للغثيان والقيء، تجاهل الطبيب شكواها واستمرت فى تناوله لمدة عام تقريبا، فتوقف جسدها عن الاستجابة للعلاج، وتدهورت حالتها، وتشاجرت مع الطبيب، وهنا ألمح لها سكرتيره: «هاجيب لك من الآخر: روحى له العيادة»! سلمت أمرها إلى الله وذهبت إلى العيادة الخاصة، لتفاجأ بشخص آخر متفهم ويستمع لها بكل اهتمام، وكتب لها روشتة بعلاج آخر، وطلب منها أن تحضر الروشتة معها فى زيارتها القادمة للمعهد، لتصرف الدواء الجديد، وقد كان. أميرة تتناول العلاج الجديد منذ 7 أشهر، وبدأت حالتها فى التحسن، وإن كانت هناك بعض الأعراض الجانبية له، تتغلب عليها بأدوية أخري، لكنها تتساءل بحسرة: «إذا كانت حالتى المادية ميسورة ومكنتنى من الرضوخ لابتزاز هذا الطبيب، فماذا يفعل غيرى من المرضى «الغلابة»؟! ( بالمناسبة العقار الذى كتبه لها الطبيب أغلى أيضا من العقار الأصلي، فالعلبة منه سعرها 17 ألف جنيه). لم تتمكن د.هند نبيل - إحدى الطبيبات فى مستشفى تابع للتأمين الصحي- حتى الان من الحكم على مدى فعالية العقار البديل، وقالت إنه لا يمكن الحكم على علاج لم يمر على تعميمه عامان بعد، مشيرة إلى أن هناك عقارا كان يعالج به مرضى اللوكيميا المزمنة فى أوروبا والولايات الأمريكية، وبعد خمس سنوات تم إلغاؤه بعد أن اكتشف الأطباء أنه يسبب جلطات فى القلب. د. هند أكدت أن استجابة المرضى للعقار الجديد تختلف من مصاب الى آخر، وأن النتيجة تكون جيدة نوعا ما إذا ما بدأ المريض بتناوله مباشرة بعد اكتشاف المرض، بعكس من حولوا من العقار الأصلى إلى البديل. أما عن الأعراض الجانبية التى يشكو منها المرضى فترجح أنها أعراض إيحائية. د. ميرفت مطر أستاذة أمراض الدم فى طب قصر العينى لم تتمكن هى الأخرى من تقييم العقار الجديد، إذ لا يزال مرضى اللوكيميا المزمنة فى قصر العينى يعالجون بالعقار الأصلي، لكنها أكدت أن أى دواء مسجل فى وزارة الصحة لابد أن تكون هيئة اليقظة الدوائية التابعة للإدارة المركزية للشئون الصيدلية قد وافقت عليه، لكنها طالبت وزارة الصحة بعمل تجارب إكلينيكية موسعة حتى يمكن اختبار ومقارنة فعالية الدواءين العلاجية. من جانبنا، حاولنا التواصل مع د. خالد مجاهد - المتحدث باسم وزارة الصحة، وكذلك د.رشا زيادة - مدير الإدارة المركزية للشئون الصيدلية - لمعرفة أسباب تغيير الدواء، وهل السبب تخفيض التكلفة كما يبدو أم أن هناك أسبابا أخري، وإذا كانت التكلفة هى السبب؛ فكيف تصرف مستشفيات التأمين الصحى ومعهد الأورام أدوية »أكثر تكلفة« من العقار الأصلى للمرضى المتضررين من العقار البديل الذى أقرته الوزارة. كنا نتمنى أيضا أن تجيبنا الوزارة عما إذا وصلتهم شكاوى المرضي، أو على الأقل نستعلم عن عدد الذين يصرف لهم علاج مجانى من بين 7 آلاف مريض باللوكيميا، لكن لم نتلق أى رد!