النواب يحيل قانون العلاوة إلى اللجان المختصة بالمجلس    بينهم أربع فتيات ..بالأسماء .."نيابة الانقلاب " تحبس 38 مواطناً إثر ظهورهم للمرة الأولى    رئيس الوزراء: زيادة اعتمادات تكافل وكرامة بنسبة 25% لتصل ل 55 مليار جنيه    انطلاق ملتقي الفارما الثامن والمؤتمر الدولي التاسع للصيادلة العرب    الدفاع المدني: ثمانية شهداء بينهم أربعة أطفال في غارات إسرائيلية على غزة    مجموعة تفادي الهبوط| زد يستضيف مودرن سبورت في لقاء القمة والقاع    منافس الأهلي.. إنتر ميامي يتلقى خسارة ثقيلة بحضور ميسي    رفع 47 سيارة ودراجة نارية متهالكة خلال حملات مكثفة بمختلف المحافظات    بملابس هندية.. مصطفى حجاج يحيي حفل زفاف رامي عاشور    «هيبتا 2.. المناظرة الأخيرة» في دور العرض قريبًا بعد تصوير جميع مشاهده    "صحة الإسكندرية" تنظم حملة منع تسوس أسنان الأطفال وتطبيق الفلورايد    اللواء عبدالعظيم عبدالحق: وهبت نفسى للوطن.. واستشهاد ابنتى سارة كان عنوانًا لمقتل الطفولة الفلسطينية "الحلقة 12"    هام من المركز الليبي بشأن زلزال المتوسط| تفاصيل    أسعار الدواجن اليوم الأحد 11 مايو 2025    نجيب ساويروس عن تعديلات قانون الإيجار القديم: منصف بعد ظلم سنين للملاك    تشكيل مباراة أهلي جدة والشباب المتوقع في الدوري السعودي    البورصة تصعد بمستهل تعاملات جلسة اليوم    تحذيرات هامة من الأرصاد للمواطنين بشأن الموجة الحارة    انتشال جثة طالب من نهر النيل بسوهاج    هام من التعليم بشأن امتحانات الثانوية العامة هذا العام| الوزير يكشف    "مكنتش اعرف أنها ممنوعة".. اعترافات راكب ضبط بحوزته مخدرات في مطار القاهرة    سلامة الغذاء: الإفراج المؤقت عن 1178 رسالة غذائية والسريع عن 205    روز اليوسف تنشر فصولًا من «دعاة عصر مبارك» ل«وائل لطفى» عبدالصبور شاهين مثقف تحول إلى تكفيرى من أجل المال "الحلقة 4"    إذاعة جيش الاحتلال: تجنيد لواءى احتياط بهدف توسيع العملية العسكرية فى غزة    مواقع أجنبية : المتحف المصرى الكبير صرح حضارى وثقافى عالمى ويمتاز بتقديم قطع أثرية نادرة    الوثائقية تطلق بروموهات فيلم (الزعيم.. رحلة عادل إمام).. قريباً    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "125"    ما حكم من نسي الفاتحة أثناء الصلاة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى يحذر من الحلف بالطلاق: اتقوا الله في النساء    رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة يرحب باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    الصحة: افتتاح 14 قسمًا للعلاج الطبيعي بالوحدات الصحية والمستشفيات    نصائح لحماية طفلك للسلامة من موجات الحر    التشكيل المتوقع لمباراة ليفربول ضد أرسنال اليوم الأحد    باكستان: إلغاء 150 رحلة جوية وسط حالة عدم اليقين بعد اتفاق وقف إطلاق النار مع الهند    استشهاد 10 فلسطينيين إثر قصف الاحتلال الإسرائيلى خيم النازحين بخان يونس    «التضامن» تقر تعديل وتوفيق أوضاع جمعيتين بمحافظة القاهرة    "البترول" تقرر صرف مبلغ مماثل لقيمة فاتورة استبدال طلمبة البنزين لأصحاب الشكاوى    وزير الإعلام الباكستاني: لا انتهاكات لوقف إطلاق النار مع الهند حتى الآن    النشرة المرورية.. كثافات متحركة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة    «يشترط 40 مليونا للبقاء».. شوبير يصدم جماهير الأهلي بشأن مدافع الفريق    أحمد شوبير: انتهاء علاقة حمزة علاء مع الأهلى بشكل نهائى    مسئول طبي بغزة: 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة.. و4000 آخرون مهددون بفقدانه    محطة كهرباء جديدة ب64 مليون جنيه في أبو الريش لضمان استمرار الرعاية الطبية للأطفال    دعاية السجون المصرية بين التجميل والتزييف.. ودور النخب بكشف الحقيقة    هل تصح طهارة وصلاة العامل في محطة البنزين؟.. دار الإفتاء تجيب    تشكيل ليفربول المتوقع ضد آرسنال اليوم.. موقف محمد صلاح    ترامب: أحرزنا تقدمًا في المحادثات مع الصين ونتجه نحو "إعادة ضبط شاملة" للعلاقات    صنع الله إبراهيم يمر بأزمة صحية.. والمثقفون يطالبون برعاية عاجلة    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    وزيرة التضامن: خروج 3 ملايين أسرة من الدعم لتحسن أوضاعهم المعيشية    موعد مباراة برشلونة وريال مدريد في الدوري الإسباني    إخلاء عقار من 5 طوابق فى طوخ بعد ظهور شروخ وتصدعات    ورثة محمود عبد العزيز يصدرون بيانًا تفصيليًا بشأن النزاع القانوني مع بوسي شلبي    انطلاق النسخة الثانية من دوري الشركات بمشاركة 24 فريقًا باستاد القاهرة الدولي    محاكمة متهمين بقتل طالب داخل مشاجرة بالزيتون| اليوم    رسميًا.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي وطريقة استخراجها مستعجل من المنزل    محافظة سوهاج تكشف حقيقة تعيين سائق نائباً لرئيس مركز    ضع راحتك في المقدمة وابتعد عن العشوائية.. حظ برج الجدي اليوم 11 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى انتظار (العفو)؟

ليلةٌ خير من ألف شهرٍ، تسير متخفية بين ليالٍ عشر، فى الثلث الأخير من شهر الرحمات والمغفرة والعتق من النيران، ليلةٌ نزل فيها القرآن وفيها تتنزل الملائكة لتشهد البركات والنفحات، ليلة وصَفَها الله جل فى علاه بأنها مباركة، وسماها فى عليائه (ليلة القدر)، ووضعها القدير فى كفة التقدير مقارنة بمثيلاتها فى الليالى لترجح على قريناتها، ولتغدو خَيْرِيَتها متجاوزة مضاعفات لها كثيرة «وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ».
أمام هذا التمايز العابر لكل معايير المماثلة، يتعلق كل سائر على دَربْ رمضان، بأمل الوصول إلى المثول فى حضرة نفحات (ليلة القدر)، وببشرية تتوق إلى نيل طاقات ما لها بها دراية، تسأل أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكرٍ حُبَها محمدًا صلوات الله عليه، تقول (أرأيت إن علمت أى ليلة، ليلة القدر، ما اقول فيها؟) فَيُجيبها عليه السلام «قولى اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عنيْ».
هكذا اختصارًا وإيجازًا تضعنا الوصية النبوية أمام بساطةٍ تُعيى إلغاز الحال فى (ليلة القدر) وما يحيط بها من غموض، إذ تُساق الأفئدة إلى ساحات المناجاة أملًا فى العفو، وتُشحن الأرواح إلى محافل التضرع طلبًا للعفو، وتَعْمُر الخلوات بأصداء دعوات تجأر التماسًا للعفو، وتحتشد حضرات الذكر بأهلها جماعات وفرادى رجاهم العفو.
حين نتدبر فى مشهد الوصية النبوية يُحلينا زمانها إلى دولةٍ تنشأ، وإلى مُهَدِداتٍ كُثُر لهذه الدولة الوليدة، وإلى تحديات تتابع على واقعها وواقع مكوناتها البشرية، ورغم ذلك لا تحمِل لنا كُتب الآثار ما يكسر حاجز الدعوة الشخصية المتفردة بالعفو فى ليلة القدر، إلى دعوة جماعية بالنصر والتمكين، أو دعوات فردية بإعلاء راية الدين، والاستخدام تحت رايات المجاهدين الفاتحين!. فقط كان طلب العّفو الشخصى هو أداة الطرق ومفتاح الولوج وغاية الوقوف على الأعتاب.
وحين نتدبر فى مشاهد واقعيتنا الحياتية فى رمضان وقبله وبعده، يمكننا بسهولة أن نكتشف أن دولًا نشأت وحضارات شُيدت انتقل معها الإنسان إلى عصرٍ سريع الإيقاع، قاسى الخطو، وموجع الخطوب، فيما استحالت الإنسانية والأوطان والأديان مجرد أرقام فى قاموس عالم القرية الصغير، الخالى من كل قيمة، والمتجرد من أية مشاعر، والقادر على أن يُبَرِرَ كل خطَأ، وأن يبرئ كل مُدان، وأن يُدين كل برئ، عالمٌ لا يُزعجه منظر الدم، ولا يؤرقه تهاوى أوطان وتشرد شعوبها، ولا تحوى أى من قواميس إدارته مصطلح (العفو).
بالتدبر فى تأويل معنى (العَفوُّ)، يمكن أن نكتشف بسهولة أنه (الذى يمحو السّيئات، ويتجاوز عن المعاصي)، ورغم قربه من اسم الغفور ولكنّ أهل اللغة يرون العفو أبلغ منه، لأنّ الغفران ينبّئ عن السّتر، والعفو ينبّئ عن المحو، والمحو أبلغ من السّتر، وقد يكون العفو مسلكًا نحو إعادة التشييد الإنسانى والبناء، أملًا فى تغيير الحال إلى أحسن، عبر استثمار العفو فى تحويل نقاط الضعف إلى قوة أو النقاط الحرجة إلى تميز «.. فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً».
خلال سنواتٍ مضت تحول الموسم الإيمانى الرمضانى إلى سوق دعائية لدين سياسى الاستثمار والتوجيه والوحي، ومهرجانٍ تسويقى لفنونٍ التدين الشكلى والتحزب السَمْتِّى والشكل التعبدى لا الجوهر العبادي، وهكذا تاه رمضان فى ركام من الاستثمار، وتوارت ليلة القدر خلف جدرانٍ من البغض والكره والتفتت والتعصب والتصنيف، وأصبح الدعاء طلبًا للعفوِ من العَفُوّ مقرونًا بطلب النصر والتمكين على من يخالف رؤانا منَّا، ومن يعارض أفكارنا فينا، أو حتى ربما مَنْ يُمثل تهديدًا مستقبليًا لأمانينا.
هكذا يأخذنا الواقع الإنسانى الآنى من روحانيات الشهر الفضيل، إلى تحديات البقاء الإنسانى فى رمضان وما بعده، يُلقينا فى مواجهة الدعاء المأثور لليلة القدر، حيث العَفُوُ الذى يُحب العفوَ يُسَيِّرُ الأيام الرمضانية بما تحمله من أسرار ليلة القدر الموعودة، تستحث أهلها للسير فى أثرها، عبر فِعلٍ فرديِّ إنسانى خالص، يُلَخِص ذاتية المسئولية ووحدانية العبودية، واستقلالية الربوبية، ويُحرر مسار العبادة من أسر كل مستثمريه، ويُحيل الدُعاء من مجرد فعلٍ روحانى يقوى صاحبه، إلى فِعلِ مجتمعى توعوى يبنى الحياة على الأرض، عبر علاقات إنسانية تحكمها أفئدة تعفو لتصفو الحياة، وتحب العفو لتسمو بأهل العفو الحياة.
لمزيد من مقالات ◀ عبد الجليل الشرنوبي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.