فى كتاب من أهم الكتب الذى قام بترجمته من وقت قريب عميد المترجمين العرب الصديق العزيز وزميل الدراسة الدكتور محمد عناني، وأقصد كتاب «موسوعة الهرمانيوطيقا» . وقد اختار له الدكتور محمد عنانى «موسوعة الهرمانيوطيقا» وقد ترجم غيره هذا الإصلاح بالتفاسير والتأويلات. وأنا أختار كلمة «التأويلات». المهم أننى وجدت فى الجزء الأول من هذا الكتاب أنه لايفسر الدين أو يشرحه شرحا عميقا سوى الثقافة» فقد كان أفلاطون لديه مهارات التفسير المختلفة الممارسة فى ثقافته، وقد خصص أحد حواراته وهو «إيون» لهذه المسألة، حيث نجد أن سقراط يواجه المنشد «إيون» الذى يزهو ليس فقط بقدرته على الإلقاء بل أيضا بأنه شارح لايبارى لكبار الشعراء وخصوصا هوميروس، ويقوم سقراط باستجوابه بقسوة، والبراعة الفنية عند المفسر موهبة ربانية، ولكننا لهذا السبب على وجه الدقة يجب ألا نخلط بينها وبين التقنية (فن الصنعة) أو العلم. وانتقاد أفلاطون للشعر إلقاء وتفسيرا، وأسلوب فصله بين صوت الشعر الملهم وصوت الكلام العقلانى ينطبق أيضا على النبوءات، أو على فن التنبؤ الذى كان يمارس فى معبد أبوللو وغيره فى اليونان.. وابتغاء تحديد الوقت المناسب للاشتباك فى أعمال خطيرة مثل إعلان، أو إنشاء مستعمرة جديدة كان الواجب باستشارة القوى الروحية التى تتجلى فى النبوءات، وهى شكل قديم من أشكال السيطرة على العوارض أو الطوارئ وهو حسبما يقول نيكلاس لومان مايحدد الوظيفة الاجتماعية للدين، وهذا يثبت الترابط بين الثقافة والدين. كان يفترض أن الأرباب ترسل علامات ورسائل للبشر، ولم يكن فهم هذه العلامات واضحا على الاطلاق. وهذا ما يوضح سببه وجود النبوءات، بصورة ما فى جميع الحضارات العظيمة فالتكهنات والنبوءات تنهض بدور رئيسى فى أديان كثيرة، وتفسيرها يغدو علما معقدا، وكانت «بيثيا» كبيرة كاهنات أبوللو فى معبد دلفى يسمح لها بشطحات فى حديثها، ولم تكن تعتبر من قبيل الهزر أو الهراء. بل كانت على العكس من ذلك تعرض على مجموعة من الخبراء الذين تلقوا تدريبا خاصا ويعتبرون أنهم «لاهوتيون» بل إنه حتى فى أديان الفودو القائمة على السحر كان يوجد لاهوتى واحد على الأقل وذلك لتبيين وتحديد الرب الذى يركب روح الرجل الحاذق حتى تكتنفه الغيبوبة، وقد أدت تقنيات تفسير «النبوءات» إلى جعل بعض علماء الأنثروبولوجيا يتحدثون عن «الذكاء النبوئي» الذى تطور بطرق مختلفة فى إفريقيا والصين واليونان، ويعتبر التنبؤ، فى هذه التقاليد «ابنا للعين لا للسحر». والهرمانيوطيقا الفلسفية التى ولاتزال تعتبر إسهاما فى الفلسفة والتى تراعى الآفاق المشتركة بين الثقافات وبين الأديان تنظر فى الحكمة التى يقوم عليها فهمها الدقيق للتغير العالمي. وهى أبعد ماتكون عن العودة إلى النزعة الانتهازية التى تقول بقبول كل شيء، حيث يقول أحد المعلقين من المتفلسفين بأنها تعالج حقيقة تقول كل شيء له «جذور وفروع وأن الأحداث لاتنتهى حتى تبدأ من جديد». أما بالنسبة للثقافة والدين عن الاسلام، فهى علاقة بينهما أشبه بما يقوله ت.س. إليوت فنحن نستطيع أن نقول بأن الثقافة الاسلامية قد خرجت من بطن الدين الاسلامي، فإن الكتاب والمفكرين والفقهاء والمفسرين كان معظمهم فلاسفة عصورهم، بعد أن درسوا الفلسفة اليونانية والمنطق فقاموا بشرح القضايا الدينية من خلال ثقافتهم الفلسفية، وكان البعض منهم يتمادى فى التحليل والتأويل بحيث كان يصعب بعد ذلك فهمهم. ولكن استطاعوا بعد ذلك أن تكون لهم تفسيرات تخدم الدين وفى نفس الوقت كان الدين يخدم هذه الثقافة ويحيطه بالحماية فى مجال العلوم الكيميائية والطبيعية والتاريخية والجغرافية، وبالطبع اللغوية، وحتى العلوم الموسيقية. وربما أخذ عنهم هذا المنهج القديس أوغسطين فى حديثه عن الحقيقة الدينية. يميز علماء الكلام الاسلاميون بين التصريح الشفهى بالولاء للاسم (الشهادة والايمان الباطني، ولكنهم يربطون بشدة بينها فى أن النية الخالصة فى القلب تؤدى حتما إلى القيام بالفروض الخارجية للإسلام (الإيمان ماوقر فى القلب وصدقه العمل)، والجهر بالاسلام، ولايحتمل أن يوجد تفريق بين المجال الدينى ومجال الحياة العملية، وحيث تتضمن التشريعات، فى الدين أوجه النشاط الاسلامى فالدين يدخل فى كل تفاصيل حياة الفرد مايجب أن يعمله ومالا يجب حتى علاقة الزوج بزوجته. ومن مظاهر الدين على الثقافة الاسلامية الشعر الذى نبغ فيه الشعراء المسلمون وخاصة الشعر الدينى والشعر الصوفي. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يستقبل الشعراء فينشدون الشعر فى مدحه مثل كعب بن زهير فى قصيدته الشهيرة. «انت سعاد» وأيضا شاعر النبى حسان بن ثابت وأتى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم العديد من الشعراء الكبار مثل أبو العتاهية والبوصيرى صاحب قصيدة البردة ومن كبار الشعراء الصوفيين شرف الدين عمر بن الفارض (أى ابن الموثق 577 632) الذى هو حتى الآن موضع التقدير من جانب كل الدارسين الشرقيين والأوروبيين. أشهر قصائده التائية الكبرى فى 756 بيتا من الشعر تعبر عن التجربة الكاملة الصوفية للشاعر وكتبت لها شروح لا حصر لها بلغات مختلفة. وقد ظهرت حداثة إسلامية إلى الوجود بسبب التحدى المادى والفكرى للغرب، وبسبب الحاجة الملحة لتكييف الإيمان مع حركة التطور، وقد فكرت شخصيات مثل الأستاذ الإمام محمد عبده 1849 1905. والسلفيون وهى تلك الجماعة التى تنتسب إلى المسلمين الأوائل) حيث قاموا بإصدار جريدة »المنار« وهى وسيلة إصلاحية تتضمن الرجوع إلى الاسلام الأصلى المحتفظ بنقائه الطاهر من الإضافات الخارجية الغربية ولكن للأسف خرج من هذا الاتجاه «جماعة الإخوان المسلمون» التى تزعمها الشيخ حسن البنا 1906 1946 الذى حاول تقديم ثقافة إسلامية من وجهة نظره السلفى وكان من أهدافه تحسين الأوضاع الاجتماعية مما قرب الكثير من المسلمين المصريين حوله. وقد كان لانخراط هذه الجماعة فى النشاط السياسى أثر جعلها موضع شك من العديد من الحكومات مما أدى إلى مقتل زعيمها الشيخ حسن البنا. لمزيد من مقالات مصطفى محرم