«المنتج الأمريكى أولا» و«صنع فى الصين 2025» مشروعان اقتصاديان تسببا فى صراع تجارى تتزايد وتيرته منذ العام الماضى، حتى أطلق عليه الحرب التجارية الأمريكيةالصينية، وبعد هدنة 90 يوما ترقبها الاقتصاد العالمى على أمل إنهاء الخلاف، والوصول إلى اتفاق يراعى مصالح الدولتين، انتهت المهلة والمباحثات بالفشل الذريع، وتجددت مضاعفة التعريفات الجمركية من كلا الجانبين، مع تبادل الاتهامات بنقض الاتفاق فى تصعيد للحرب التجارية المشتعلة بين الدولتين، وهو ما دفع صندوق النقد الدولى للتحذير من هذا التصعيد الذى يهدد الاقتصاد العالمى، وباعتباره المنوط بتأمين الاستقرار المالى العالمى أعلن صندوق النقد أن الكل يخسر فى الصراعات الممتدة، ودعا إلى حل عاجل وشاركه فى هذه الدعوة الجهات الدولية المعنية والخبراء والمستثمرون. ولكن على الجانب الآخر هناك دول تنعكس عليها هذه الحرب بالإيجاب، وسوف تصبح الرابح الأكبر من هذه الحرب التجارية . والحرب الدائرة بين أمريكاوالصين بدأت من جانب الولاياتالمتحدة بفرض رسوم جمركية على المنتجات الصينية الواردة، وردت الصين هى الأخرى برسوم انتقامية على الواردات الأمريكية. وكان آخر جولات هذه الحرب فى الأيام القليلة الماضية، عندما قرر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب رفع نسبة التعريفات الجمركية إلى أكثر من الضِعف على ما قيمته 200 مليار دولار من المنتجات الصينية، ورفع التعريفات على بضائع صينية من 10 % إلى 25 %، وردت الصين بأنها «تأسف بشدة» لاتخاذ الولاياتالمتحدة هذه الخطوة، وتعهدت بأن تتخذ «تدابير مضادة ضرورية»، ما أدى إلى تصعيد حاد للحرب التجارية المشتعلة بين الدولتين . ومن خلال سعى الرئيس ترامب لتحقيق التجارة العادلة من وجهة نظره، وانتقاده لقواعد الملكية الفكرية الصينية وعدم التوازن التجارى بين البلدين، التى يراها ترامب معوقا أمام الشركات الأمريكية، فرض هذه الرسوم ليقلِّل العجز التجارى الأمريكى مع الصين الذى يوازى نحو 375 بليون دولار، ولكن الصين ترى أن الحرب التجارية ضدها جزء من محاولة أمريكية لكبح جماح الصعود الصينى، حيث يبلغ الاقتصاد الصينى نحو 12 تريليون دولار، بالإضافة لخوف الحكومات الغربية من تنامى نفوذ الصين عالميا، خاصة فى ظل تبنيها مشروع «صُنع فى الصين 2025»، ومشروع «حزام واحد، طريق واحد»، والمشروعان يهدفان إلى تطوير الصناعات التكنولوجية فى الصين، وفتح أسواق عالمية جديدة بشكل أوسع أمام المنتجات الصينية . وجدير بالذكر أن التعريفات هى ضرائب يدفعها مستوردون على بضائع أجنبية، لذلك فإن التعريفات التى نسبتها 25 % ستدفعها الشركات الأمريكية التى تستورد بضائع صينية إلى الولاياتالمتحدة.ما قد يؤدى إلى ارتفاع مستويات التضخم فى الأسواق المحلية المرتبطة بالبضائع الأمريكية. وعلى الرغم من أن ترامب قلل من شأن أثر التعريفات على الاقتصاد الأمريكى، فإن زيادتها سوف تؤثر على بعض الشركات الأمريكية والمستهلكين لتحملهم جزءا من التكلفة، فالحرب التجارية بين الاقتصادين الأكبر فى العالم لها تأثير سلبى على القوة الشرائية لدى العالم، لأن الرسوم الجمركية سوف ترفع الأسعار على المستهلك مما يوثر على النمو ليس فقط فى الولاياتالمتحدةوالصين، بل وعلى الصعيد التجارى العالمى أيضا، فحركة الصادرات والواردات العالمية تغيرت جذريا بفعل الحرب التجارية منذ العام الماضى، وهذا التأثير لن يكون الوحيد، فهذه السياسات تؤدى إلى عدم استقرار النشاطات الصناعية والاستثمارية، وليس التجارية فقط. وعلى الجانب الآخر، بالرغم من اتفاق معظم الخبراء بشأن الضرر المترتب على الحرب التجارية على الاقتصاد العالمى، فإن هناك دولا سوف تستفيد من صراع التعريفات الجمركية، ولقد عرف «الأونكتاد» وهو مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية، بأن المستفيد من الضرائب الجمركية هو أى دولة أو طرف لا علاقة له لا بالحروب التجارية ولا بالضرائب الجمركية، أى الدول ذات الموقف الحيادى. وأوضحت دراسة أجراها «دويتشة بنك» أن فرض رسوم جمركية من جانب الولاياتالمتحدة على الصين يوازى الصدمة الإيجابية للتجارة بالنسبة لباقى دول العالم، حيث أصبحت الواردات خارج الصين أرخص نسبيا للمستهلك الأمريكى. وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أنه عندما تزيد الرسوم الأمريكية من تكلفة الواردات الصينية تستعد البلدان الأخرى لجنى الأرباح. ويأتى فى مقدمة المستفيدين دول الاتحاد الأوروبى وكندا والمكسيك واليابان والبرازيل، ومن وجهة نظر بعض المحللين فإن الأزمة التجارية ما بين البلدين سوف تنعكس إيجابيا على الدولار الأسترالى، حيث تعتبر أسترالياالصين الحليف التجارى الأكبر لها كونها تقوم بشراء كميات كبيرة منها من الحديد والفحم، كما يعتبر القطن الأسترالى بديلا للقطن الأمريكى بالنسبة للصين كونه من السلع المستهدفة، وبالنسبة للمؤسسات اليابانية فالوضع جيد للحصول على حصة سوقية فى الصين لتحل محل الموردين الأمريكيين للمركبات والطائرات والمواد الكيميائية، وسوف يدفع الصراع القائم إلى مزيد من التعاون والشراكة التجارية بين الصين وأوروبا لفتح أسواق جديدة لمواجهة الضغوط الأمريكية، وأوروبا يمكن أن تظهر باعتبارها الرابح الأكبر من هذه الحرب التجارية، والدليل أن صادرات الشركات الأوروبية ارتفعت إلى نحو 70 مليار دولار إضافية، منها حركة صادرات إضافية نحو الولاياتالمتحدةالأمريكية بإجمالى 50 مليار دولار للتعويض عن تراجع الصادرات الصينية إلى أمريكا و20 مليار دولار من الصادرات الأوروبية إلى الصين تعويضا عن الصادرات الأمريكية، وهو ما رفع حركة صادراتها 1%، كما تمكنت المكسيك من تعزيز هذه الحركة بنحو 6%، واليابان 3%، وكندا 4% وفيتنام 5%. وتوقعت وكالة «بلومبرج» الاقتصادية، فى تقرير لها، أن تكون المكسيك هى الرابح الأكبر من الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، باعتبار المكسيك تملك الفرصة لتصبح أكبر مصدر لأجهزة التليفزيون المسطحة إلى السوق الأمريكية، حيث إن هذه الشاشات تندرج ضمن آلاف المنتجات الصينية، التى تستهدفها الرسوم الجمركية الأمريكية، وفى الوقت نفسه، يمكن للمزارعين المكسيكيين أن يحتلوا مكان منافسيهم الأمريكيين فى سوق لحوم الخنزير الصينية التى تعد أكبر الأسواق فى العالم، وذلك بعد أن فرضت بكين رسوما جمركية على اللحوم الأمريكية. وتشير دراسة أعدها «دويتشة بنك» إلى أن انخفاض الواردات الأمريكية من الصين بنسبة 10% سيؤدى على الأرجح إلى ارتفاع الصادرات المكسيكية بنسبة 3% تقريبًا. وأكدت «بلومبرج» أن الحرب التجارية مع الصين، تصب فى مصلحة عدد من الدول، على رأسها مصر، للجوء الصين لدول أخرى لاستيراد الفاكهة، وسوف تستورد البرتقال من مصر، والكيوى من إيطاليا، والتفاح من بولندا. وأن قطاع الطاقة فى منطقة الشرق الأوسط يعد أحد المستفيدين المحتملين باعتبارها أكبر مصدر للبولى إثيلين الذى تستورد منه الصين 127مليون طن فى العام الواحد، ومن المنتظر أن تشهد صادرات الملابس من مصر والأردن، وصادرات المشروبات من بريطانيا وفرنسا طفرة فى الطلب من الصين، وتعدالبرازيل من الدول المستفيدة أيضا لإنتاجها للفول الصويا، الذى تعتبر الصين المستورد الأكبر له.وبشكل عام هناك دول يمكنها الاستفادة من حرب التعريفات الجمركية، وذلك من خلال اتجاه المستثمرين نحو الأسواق الناشئة لسد فجوات الطلب على البضائع التى ارتفعت أسعارها نتيجة لهذه الحرب، وهو ما أكدته سيسيليا مالمستروم مفوضة التجارة فى الاتحاد الأوروبى، بقولها: إن الحروب التجارية ليست جيدة وليست سهلة الانتصار ولكنها لن تمنع الاقتصاديين والمستثمرين من البحث عن الفائزين.