جلس علي شاطيء البحر متأملا ساعة صفائه وساعات هياجه وتلاطم أمواجه, امتد بصره بعيدا, ولم يجد في النهاية إلا خط أفق لا يعلم أين مكانه, وما يكون بعده.. إفترش رمل الشاطيء, وحفر بينه وبين مياه البحر خندقا متصورا أنه يقيه من غدر البحر, وارتفاع أمواجه, سارحا بأفكاره مستغرقا في تأملاته, وإذا بموجة عالية تفاجئه, وتعيد له وعيه وتردم خندقه, وتجعله كأن لم يكن, وتضطره للتراجع متخليا عن موقعه الذي أختاره, ما أشبه البحر بك يا مصر, قد تبدو الأمور للمتابع في بعض الأوقات هادئة علي السطح, ولكن ما يدور في الأعماق مثل جبل الجليد الذي لا يبدو منه غير قمته ثم يفاجئك, وتصطدم به أو تعلو أمواجه, ويردم خندقك. مصر تراكمت وتعاظمت حضاراتها علي مدي الدهور والأجيال, تراكمت وتعاظمت مثل طبقات الطمي علي أرضها فحولتها إلي أرض خصبة عفية, وتتابع حكامها مصريون, وأجانب وطنيون أو غزاة, وكانت دائما بما اكتسبته عبر تاريخها فاتحة أحضانها للوطنيين ومقبرة للغزاة, وبقيت هي بأبنائها, ونسيج مواطنيها أكبر من أن يحتويها خندق فصيل من الفصائل, وأعظم من أن يبصمها أحد بخاتمه أو يدعي أنه يستطيع أن يصبغها بلونه. هذه الرؤية لمصر يسجلها المهندس توفيق ميخائيل, ونحن مطالبون جميعا بالتكاتف والتعاون من أجل مستقبل أفضل يجمع كل المصريين.