لم يكن ليصدق أن حبيبته غابت، وأنها لن تعود، بحث في الأماكن، سار ينقب بين الشوارع، كأنها لوثة أصابته، صار أقرب شبها بالمجاذيب، الذين تناولهم محفوظ في بعض رواياته، كان اتجاهه هذه المرة مختلفا.. حادثه قلبه بالدخول في رحاب ذاك المقام الطاهر.. السيدة زينب.. وما أدراك ما الذي يمثله هذا الحي العريق.. من عبق التاريخ..وعصر ذهبي قرأنا عنه، وأبدا لم نعش فيه، كحال بقية العصور التليدة ..ورحل العصر.. وهيهات أن يرتحل عبقه.. ذلك المقام الطاهر.. آل البيت.. قال لنفسه: أتوضأ.. ثم أصلي ركعتين.. ثم أتمسح مثلهم في الحديد الذي يزين المقام..أقبله.. أتشمم من ثناياه رائحة الطهر.. أقف بباب هو أقرب للغيب.. ثم جاشت نفسه بالبكاء.. وهو لا يعلم سر بكائه.. هل كان فقدا للحبيب أم اشتياقا لآل البيت .. أم لطلب العون منهم.. كأن شيئا يجذبه إليه ..متسائلا: ما القضية يا قلبي؟ لماذا تخاف؟ قل مثلما يقول الدراويش.. قل مدد.. قل كما يقول المنشدون.. أبك الآن مع الباكين.. تراقص معهم كما يرقصون.. تمايل.. وهز برأسك كما يهتزون.. لا تهدأ .. أفعل مثلما يصنعون... كن مثلهم.. هائما من الهائمين..أفرغ من داخل نفسك تلك الشحنة التي لا تنتهي من الحب .. من الوله.. من العشق.. قل مع ياسين التهامي.. تمكن مني الحب ..ما لها دموعك متحجرة.. ثقيلة.. كثقل الزمان.. أبك يا رجل.. أبك أيها العاشق.. تطهر.. لن تهدأ لك نفس.. إلى متي؟ لقد كان كثير عزة يرتاح بين الطواف.. ليذكر حبيبته، وكان ذو الرمة شاعر الحب والصحراء يلقى الهوان من حبيبته، ويخاطب النجوم، ويحاور الدروب، عله يجد أثرا لحبيبته، أما مجنون ليلي فكان يقبل جدار دارها، ويسأله عن حبيبته التي غابت ولم تعد، فأين أنت ذاهب؟ وإلى متي ستظل باحثا عن ذاك الشروق؟ لماذا لم تقتنع أنه أفل؟! وأنه صار أقرب للغروب، وأن ربك هو من أمات وأحيا، وأنه خلق الإبداع لنا لنستقي معنى الجمال لا العدم..لنتعلم منه الإيثار لا الألم.. قم الآن ياصديقي.. قم ولا تخف.. ادعوه.. دع قلبك يخاطب من خلق حبيبتك.. لا تخف.. بث حزنك ووجدك لخالقك.. لا تدع الريبة تقتلك.. لم يحرم رب الكون حبا طاهرا.. بل حرم الزنا.. أما حب القلوب .. فهو يحرق صاحبه.. ولا يحترق.. لم يستطع يوما إطفاء جذوته.. كل ما كان يتذكره تلك الدموع التي كانت من مقلتيه تنهمر.. ويأكله الحزن الذي لم يرحم شيبه الذي اعتلى قلبه قبل رأسه... ما هذه الضوضاء الشديدة؟؟ يبدو أن هناك معركة خارج المسجد.. نهض صاحبنا يستبين الأمر.. وجد أشخاصا يريدون هدم المقام.. يضربون من فيه علي رؤوسهم.. يتهمونهم بالكفر.. يصفونهم بعبادة غير الله.. استوقفهم صاحبنا ..حاول إفهامهم.. ضربه أحدهم.. سقط شهيدا ... لقد قضينا علي أحد المشركين.. لابد أن يفهم الناس معني الإسلام الصحيح... لم تكن بصيرتهم المريضة تدرك أن هناك مشركين حقيقيين.. يقفون هناك ..يحاربون الإسلام، ويناصبون رسوله الكريم العداء.. ولكنهم قتلوا مسلما.. وتركوا مشركا.. يفاخر بشركه، ويعتدي على خير خلق الله. [email protected]