يشكل رمضان تجربة روحية عميقة فى نفوس المسلمين عمومًا، والعرب على وجه الخصوص، بما يمكن أن يطلق عليه مهرجانًا ربانيًا تحتفى به الأرواح التى تحلق عاليًا فى نفحاته. وكما تقول الدكتورة أبرار مبروك الباحثة المصرية بدولة الإمارات فإن لشهر رمضان فى دول الخليج العربية عموماً والإمارات خصوصًا، نكهة خاصة تميّزه عن بقية الدول والشعوب الإسلامية، تتمثل فى مراسم استقباله ووداعه وأكلاته المتنوعة، فضلاً عن لياليه الروحية وما يرافقها من نشاط دينى مكثف على الصعيدين الرسمى والشعبي. حيث تستضيف الإمارات علماء دين ومقرئين من الدول الإسلامية، وتقيم مسابقة دولية للقرآن الكريم يشارك فيها العشرات من حفظة القرآن تلاوة وفهماً وتجويداً. ورغم أن الإمارات بها عدد كبير جدًا من الوافدين، يمثلون أكثر من مائتى دولة، ويبلع عددهم ما يزيد على 7 ملايين وافد، وتبلغ نسبتهم ما يزيد على 88% من السكان، وهى لا شك نسبة مهولة، ومن الطبيعى أن يتركوا أثراً فى المظهر العام من دولة الإمارات العربية، فإن المجتمع الإماراتى يعد من أكثر المجتمعات تمسكاً بعاداته وتقاليده، وأكثر حرصاً على الحفاظ على تراثه وهويته الوطنية، وهو ما يظهر جلياً فيما يخص تلك العادات المرتبطة بشهر رمضان. ورمضان فى التراث الشعبى الإماراتي، لا تختلف مظاهره كثيراً عن الحاضر؛ فهى نفسها مظاهر فرح الصغار والتكافل الاجتماعى وصلة الأرحام، تعيدنا جميعها للعيش فى أجواء الماضي، بدفئه وتسامحه وأصالته، ولا تزال عادة التزاور، بين الأهل والجيران، من أبرز العادات الباقية حتى اليوم. وقديماً، كان الاحتفال بمجيء رمضان يبدأ من ليلة النصف من شعبان، (حق الليلة)، وقضت العادة فى الإمارات بأن يتجمع الأطفال بعد صلاة المغرب بملابسهم التقليدية، فالبنات بالملابس المطرزة والصبيان ب (الكندورة) والطاقية المطرزة بخيوط الذهب، يحملون على رقابهم كيسا من القماش يسمى (الخريطة)، ويمشون جماعات تتوقف على البيوت وتبدأ بترديد الأهازيج لحث أهل البيت على منحهم المكسرات والحلويات، وهم ينشدون: (عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم). مير رمضان أما عادة (مير رمضان) فهى عادة متأصلة، فعندما يبدأ الشهر تتبارى العائلات بتجهيز (مير رمضان)، وهى عادة رمضانية إماراتية، يتم فيها تحضير وتقديم هدايا للأهالى والأصدقاء لصلة الرحم فى الشهر الفضيل، وقد تطورت هذه العادة لتعم المحتاجين، حيث تنظم حملات تحت عنوان (مير رمضان)؛ لتوزيع وجبات الإفطار والمساعدات على الفقراء، كما توزع ما يسمونه (نقصة) من الفطور على الجيران، والأهل، توددًا وتراحمًا وصلة. واشتهرت أيضًا العديد من الألعاب الشعبية الخاصة بالشهر الكريم، مثل لعبة (الخاتم) بين لاعبين أو لاعبتين، ولعبة (الصوير) وهى من الألعاب الجماعية، ولعبة (المدافع، والمريحانة). وللأطفال فى الإمارات أجواؤهم الخاصة، فهو الشهر الوحيد الذى يسمح لهم فيه بالخروج من البيت واللعب بعد صلاة المغرب، ولرمضان ألعابه، مثل (عُظَيم لوّاح). و(المدفع). و(عمبر). و(يوريد). و(الهول). و(المسلسل)، وما زال من أبرز ما يميز رمضان فى الإمارات (المسحر)، ويُسمّى فى بعض البلدان (المسحراتي)، يدور فى (الفريج) أى (الحي) يوقظ النيام وينشد أناشيد (المالد) ويرتل الأدعية، ومن أشهر أقواله (قُم يا نايم قم.. قومك أخير من نومك)، و (اصحَ يا نايم.. واذكر الدائم). الإفطار والسحور يعد الهريس الصحن المفضل على مائدة الإفطار فى الإمارات.ويذهب الرجال إلى المساجد وكل واحد منهم يحمل طبقاً أو مجموعة أطباق وبعد انقضاء الصلاة يجتمع المصلون فى رواق المسجد الخارجي، صغاراً وكباراً، ليتناولوا شيئاً قليلاً من المائدة العامرة، ويدعو كل من يمر بهم أياً كانت جنسيته ليشاركهم مائدة الخير والبركة. طعام العَشَاء عادة إماراتية شهيرة، ومازالت الأطباق المعروفة فى الإمارات منذ القديم مثل: (الهريس والثريد والعصيدة، والمجبوس. مخيمات رمضان: خلال الشهر الكريم، تنتشر المجالس المعروفة باسم (الميلس) أو (الديوانية)، ويجلس صاحب الدار فى صدر مجلسه لاستقبال زائريه، وخلال هذه المجالس الشعبية تطرح مشكلة معينة يسعى الجميع إلى حلها فى تقليد متوارث منذ مئات السنين، كما يخصص للشعر مجلس فى ليلتين فى الأسبوع الواحد. كما تشهد الإمارات عمومًا والشارقة خصوصًا دعوة الشيخ سلطان القاسمى لعدد كبير من الأئمة والوعاظ من مختلف بلاد المسلمين وخاصة من جمهورية مصر العربية للإمامة فى صلاة التراويح، وإلقاء الدروس والمحاضرات فى المساجد والمنتديات، والمشاركة فيما يعرف (رمضان الشارقة) وهو معرض ومنتدى كبير ثقافى واجتماعى طوال شهر رمضان. كما تشهد دولة الإمارات حدثا عالميًا رمضانيًا سنويًا، وهو (جائزة دبى الدولية للقرآن الكريم) والتى تقام سنويا فى النصف الثانى من الشهر.