جاءت نتيجة الانتخابات الرئاسيه الأوكرانية الاخيرة بمثابة صدمة لبعض المراقبين غير العالمين بالشأن الاوكرانى الداخلى والاحوال الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية فيها، وبالنسبة لى شخصيا وجدت ان نجاح الممثل زيلينسكى هو امر منطقى جدا لدوله كانت فوق الرماد منذ احداث ميدان الاستقلال التى اطاحت بالرئيس الاسبق يانوكوفيتش حيث تحولت الاحداث الى موجة كراهية ضد الاتحاد السوفيتى القديم وروسيا دون مراعاة لأن نحو 40% من سكان الشرق والجنوب هم من أصول روسيه واغلبهم يتحدث الروسية فقط ودرس وتربى على الثقافة السوفيتية ويعتبر الأعياد السوفيتية القديمة هى اعياده ونصف اوكرانيا حارب مع الاتحاد السوفيتى ضد هتلر وغرب اوكرانيا حارب مع هتلر ضد الاتحاد السوفيتى فى الحرب العالمية الثانية ومن اشهر زعمائهم من يدعى بانديرا وبالتالى فهو بالنسبة للشرق والجنوب خائن وعميل وبالنسبة للغرب بطل قومي. وفور إسقاط يانوكوفيتش تولى البرلمان بقيادة ياتسينوك،احد رجال الرئيس بوروشنكو والذى عينه رئيسا للوزراء بعد توليه الرئاسه اصدر قرارات عنصرية ادت الى موجة كراهية بين سكان الشرق وسكان الغرب وادى الى انفصال الشرق الغنى بمناجمه ومصانعه والى ضياع القرم، وكاد الامر ان يتكرر فى الغرب مع المجر ودول اخرى نتيجة لنفس القرارات الثقافية ضد الاوكران من أصول مجرية ورومانية وسلوفاكية. والتصويت العقابى شهدناه فى السابق عندما فاز محافظ كاليفورنيا الممثل رونالد ريجان برئاسة الولاياتالمتحدة بعد رئيس اعتُبر ضعيفا هو جيمى كارتر وفعلا اثبت انه رئيس قوى وحقق لهم انجازات اقتصادية وعسكرية ، كما انتخب دونالد ترامب عديم الخبرة السياسية رئيسا جديدا وابلى حتى الآن بلاء حسنا بالنسبة لهم من انعاش للاقتصاد وخفض معدل البطالة ومن شبه المؤكد اعادة انتخابه لفترة ثانية، وتكرر ذلك التصويت العقابى ايضا فى البرازيل فشاهدنا بعد الاكتساح الشاسع للاحزاب الاشتراكية والوسطى فاز العسكرى اليمينى المتطرف بولسونارو برئاسة البرازيل بعد ضيقهم من فساد الرؤساء السابقين كلهم حيث سجن لولا وقبله عزل كولر وبعد لولا عزلت خليفته روسيف وكاد خليفتها تامر ان يحاكم. ويمكن تلخيص اسباب التصويت العقابى الذى ادى الى فوز زيلينسكى باكتساح فيما يلي: اولا: الرئيس (بورشينكو) فاسد،فبالإضافة إلى أنه يملك أكبر مصانع الشوكولاتة روشان، يملك الشركة القابضه اوكربروماينفست اجرو وبنك الاستثمار الدولي، ومصنع سفن حربية يبيع انتاجه لقواته المسلحة بحجة محاربة روسيا بالإضافه الى اصول فى صناعات النشا والسيارات وأسهم فى كثير من شركات الاذاعه والتليفزيون. كما انحدر مستوى شعبه خلال فترة حكمه بشكل غير مسبوق مما دفع أعدادا كبيرة للهجرة لاسباب اقتصادية وانخفض تعداد السكان بشكل لم يحدث من قبل رغم ان اوكرانيا ارض الخيرات الا ان كلها منهوبة. وبسياساته الهوجاء تسبب فى خسارة بلاده اكبر قدر منها كالقرم (اكبر من مساحة بلجيكا) واقليمى الدونباس ولوجانسك اللذين انفصلا واصبحا جمهوريتين علما بانهما اغنى مناطق اوكرانيا لاحتوائهما على مناجم الفحم والحديد وعدد كبير من المصانع الثقيلة واضطرت اوكرانيا الى استيراد الفحم الذى تعتمد عليه مصانعها من الجمهوريتين الانفصايتين بعد ان فشلت نوعية الفحم الذى تم استيراده من جنوب افريقيا ومن فيتنام. واعتماده سياسة الكذب فهو دائما يُصعد مع روسيا ويوهم شعبه بانه قادر عسكريا على هزيمتها وتحرير اراضيه وطبعا فأكاذيبه مكشوفة وشعبه فقد الثقة فيه. كما ضاق الشعب من سياسات التصعيد العسكرى الفاشلة التى يتبعها بورشينكو فقد كانت اوكرانيا من الدول النووية وتنازلت عن اسلحتها طواعية وارسلتها لتدمر وسط احتفاليات شعبية لرغبة هذا الشعب فى العيش بسلام بضمان روسيا واوروبا والولاياتالمتحدة ( معاهدة وارسو)بعد عقود طويلة من الحروب الا انهم وجدوا انفسهم ينزلقون الى منحدرعميق. أيضا الصراع مع المليارديرات الاوكران الاخرين (عددهم 6 غير الرئيس) وتأميم ممتلكاتهم وعزلهم من وظائفهم (لمن كان يشغل منصبا حكوميا) فى اطار التنافس التجارى البحت بينه بصفته تاجر وبينهم، وابعاد كثير من المحافظين والعمد وكبار المسئولين بتهم مختلقة ولاسباب شخصية وزادت جدا بعد جولة الاعاده الاولى بينه وبين زيلينسكي. تسليم مفاتيح اوكرانيا لامريكا حتى انه استجاب لها وعين ساكاشفيلى رئيس جورجيا السابق الهارب من بلاده ومدان فيها بجرائم مالية ويحمل الجنسية الامريكية ويتقاضى منها راتبا، عينه عمدة لمدينة اوديسا وكاد ان يعينه رئيسا للوزراء. ثانيا: زيلينسكى ممثل كوميدى لم يسبق له العمل فى السياسة ولكنه قام بدور عمره فى عمل تليفزيونى بعنوان: خادم الشعب رأى فيه الشعب مثالا للحاكم النزيه العادل الذى طالما تمنوه وبالتالى حقق شعبية كبيرة. ثالثا: رجال الاعمال والصناعة وخصوصا الملياردير اليهودى «كلامويسكي» وكان محافظا لاكبر مدينة صناعية اوكرانية دينبروبتروفسك وكان مالكا لبنك بريفات الذى اممه الرئيس فى اطار نزاعه الشخصى مع المليارديرات منافسيه، وقد كسب كلامويسكى الدعوى التى اقامها لاسترداد بنكه وحكمت له المحكمة باسترداده. ووجد كلامويسكى فى الممثل زيلينسكى ونجاح وشعبية العمل الذى اداه خادم الشعب،خامة طيبة عمل على اصقالها ودعمها ووضع له مخططات تكسبه شعبية كبيرة بين الاوكرانيين وساعده بخبراء محنكين يرسمون له كل خطواته ونجح نجاحا كبيرا حتى انه فى اطار المناظرات طلب عقد مناظرة مع الرئيس فى الاستاد الا أن الرئيس تخوف وطلب ان تكون فى الاستوديو ثم وافق بعد إلحاح شعبى وكانت أهم ملامح المناظره أن زيلينسكى لم يتحدث عن خطة محددة ولكنه رد على تعليق للرئيس تحدث فيه عن المنافسة بقوله: انا لست منافسك ولكن انا القصاص منك، وكسب المناظة. سفير مصر السابق لدى اوكرانيا