كان الوعد الأول بواسطة السير بلفور وزير خارجية بريطانيا، بمنح اليهود فلسطين وطنا قوميا لهم من الشتات حول العالم وذلك فى نوفمبر 1917، وبعد قرن من الزمان وفى مارس 2019، كان الوعد الثانى للرئيس الامريكى ترامب بضم الجولان السورى المحتل الى إسرائيل، لينطبق على كلا الوعدين المقولة الشهيرة.. من لا يملك يعطى لمن لا يستحق..ومن لا يملك هما بلفورثم ترامب: ومن لايستحق فى الحالتين هى إسرائيل بلا شك. الوعد الاول: بلفور نوفمبر1917: تم خلال الحرب العالمية الاولى 1914-1918 وتداعيات مؤتمر بازل، وكمكافأة للفيلق اليهودى الذى حارب فى صفوف الحلفاء بزعامة بريطانيا وفرنسا، ضد المحور بزعامة المانيا، و بنهاية الحرب غادر الفيلق اليهودى فى هجرة كبيرة الى فلسطين، وكانت هجرة (مسلحة) حيث سمح لمقاتلى الفيلق بأخذ اسلحتهم الخفيفة وذخائرها، مما كان له أثر كبير فى بناء الميليشيات والمنظمات المسلحة مثل الهاجناه والبالماخ والارجون.. الخ، والذين كانو نواة للجيش الإسرائيلى فيما بعد، ولعبوا دورا مهما فى اعمال القتل والترويع ضد الفلسطينيين خلال فترة الانتداب البريطانى على فلسطين حيث غض الانتداب الطرف عن ذلك.. زادت معدلات الهجرة اليهودية الى فلسطين مع توافر الاسلحة، مما زاد الموقف سوءا لغير صالح الفلسطينيين، كما تلقى اليهود دعما ماديا كبيرا من اغنيائهم مثل عائلة روتشيلد، ليتوافر المال مع السلاح لتزداد سطوتهم وكذلك ميليشياتهم.. طلبت بريطانيا صاحبة الانتداب، من الاممالمتحدة التى تم إنشاؤها عام 1945 عقب الحرب العالمية الثانية 1939-1945،أن يتم الفصل بين الفلسطينيين واليهود لعدم قدرة الانتداب على السيطرة والفصل بينهما، مما اسفر عن صدور قرار من الاممالمتحدة فى نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين بين الفلسطينيين واليهود طبقا لخريطة مرفقة، وباغلبية ( 33 ضد 13 وامتناع10) مع بقاء القدس موحدة تحت الانتداب وخارج التقسيم... وبنهاية الانتداب البريطانى في14 مايو1948 عدا القدس الموحدة - اعلن قيام دولة إسرائيل فى اليوم التالى وكان اول المعترفين بها الاتحاد السوفيتى والولاياتالمتحدةوبريطانيا وفرنسا ثم تابعوهم... كان ذلك إيذانا ببدء الحروب العربية الإسرائيلية فى أعوام 1948 لقيام اسرائيل 1956 للعدوان الثلاثى على مصر ،1967لاحتلال القدس وانهاء الانتداب عليها مع احتلال اجزاء من الدل العربية المحيطة...سيناء مصر وجولان سوريا والضفة الغربية التى كانت تحت الادارة الاردنية ومعها القدس، بالإضافة لغزة، لتنتهى خريطة تقسيم الاممالمتحدةلفلسطين حيث لم يتم التعرض لها فى أى مبادرات سلام لاحقة، وما تلاها من جهود سياسية. الوعد الثانى لبلفور(ترامب)مارس 2019: قرر الرئيس الامركى ترامب، ضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967 الى إسرائيل لحماية امنها القومي، دون النظر الى الامن القومى السورى لاصحاب تلك الاراضى المحتلة!! ونرى أن الجولان ارض سورية محتلة ينطبق عليها ما يحدده القانون والشرعية الدولية وميثاق الاممالمتحدة ومجلس الامن، كدولة ذات سيادة وعضو مؤسس فى الاممالمتحدة والمجتمع الدولي.. ولايحق لاى رئيس دولة -أيا كان الرئيس وأيا كانت الدولة ان يغير الوضع القانونى او الحدود لاى دولة بما فيها دولته ما لم يتم ذلك باتفاق بين الدولتين صاحبتى الشأن باتفاق قانونى معتمد ويودع لدى الاممالمتحدة ومنه نسخ بلغات الاطراف المعنية.. ولو اعتبر ما فعله الرئيس ترامب قانونيا، لعمت الفوضى العالم من قرارات مشابهة من رؤساء دول اخرى تجاه اطراف اخري، فبنفس القياس الاخرق، يمكن مثلا إعادة اجزاء من الولاياتالمتحدة الجنوبية (تكساس- نيو ماكسيكو- اريزونا- كاليفورنيا) إلى المكسيك الوطن الام؟... استنكر ترامب ضم روسيا للقرم من اوكرانيا، لاعتبارات امن قومى روسى على حد قول بوتين، ورغم ذلك رفضه ترامب قبل رفض المجتمع الدولى والاممالمتحدة.. إن رأى ترامب ونيتانياهو ان امن إسرائيل مهدد نتيجة الوجود الإيرانى فى سوريا بشكل عام وفى الجولان بشكل خاص، رغم وجود القوات الإيرانية على مسافة 100- 150 كم من الجولان طبقا للخطوط الحمراء التى حددتها روسيا مع اسرائيل، ولكن فى الحقيقة ان التهديد الإيرانى الاكبر لإسرائيل، يأتى من داخل ايران ذاتها عبر ترسانة صواريخها الباليستية المتطورة المدى بما يغطى معظم إسرائيل، والتى يمكن لإيران ان تطلقها بكثافة متزامنة تفوق قدرة المضادت الصاروخية الامريكية (باتريوت وثاد) والإسرائيلية (آرو وحيتس) ومكونات القبة الحديدية.. وعلى هذا الغرار يمكن ان يصدر ترامب قرارات مشابهة لحماية امن اسرائيل المزعوم، كضم الجنوب اللبنانى بعد افتعال ازمة واحتلاله لحماية إسرائيل من تهديد حزب الله، او كضم الضفة الغربية ذاتها لنفس الاسباب، ويساعد على ذلك التغلغل الاستيطان السرطانى المخطط والمتعمد ،وكذلك جدار الفصل العنصري. وأخيرا يبدو ان ترامب يريد ان يسجل مجدا وتاريخا شخصيا رسميا لدى إسرائيل، يفوق ماقدمه اى رئيس امريكى اخر ولو بغير الشرع والقانون الدوليين منذ هارى ترومان الذى عاصر قيام دولة اسرائيل.. وعلى المستوى الشخصى والعائلي، يفتخر وبمجاملة، بان احفاده لابنته سوف يولدون يهودا لزوج ابنته المليونير الشاب كوشنر الذى عينه احد كبار مستشاريه رغم حداثة سنه وخبرته. كما يبدو ان ترامب يسابق الزمن تحسبا لمغادرة البيت الابيض قريبا وربما قبل نهاية فترة رئاسته الاولي، إذا ادين فى تحقيقات تجاوزاته وحجب الحقائق عن الشعب الامريكى خلال حملته الانتخابية الرئاسية ، سواء ضد منافسته هيلارى كلينتون، او التعاون مع أطراف خارجية فى هذا الشأن وخاصة روسيا، بما قد يضر بالامن القومى للولايات المتحدةالامريكية. لمزيد من مقالات ◀ لواء. د.محمد عبد الخالق قشقوش