رأى فنان مبدع ذلك الذى يقوله الإمام محمد عبده (1849 1905) عندما يتحدث عن الصور والتماثيل من وجهة نظر دينية، بما يكشف عن الفرق بين رجل الدين المستنير المهموم بالإنسان والبصير بالأمة، وذلك الذى يكون هو نفسه مصدر الآلام بشكله وهيئته التى تقبض النفس، وآرائه التى تحض على قتل البشر، وتصبح عملية القتل هذه هى طريق القاتل الإرهابى إلى الجنة! فأى جنة هذه التى يأمر خالقها بقتل البشر الذين هم عياله، فالخلق كلهم عيال الله كما يقولون فكيف يأمر الله سبحانه بذلك؟! يقول الإمام محمد عبده: إذا كنت تدرى السبب فى حفظ سلفك للشعر، وضبطه فى دواوينه، والمبالغة فى تحريره، وما عنى الأوائل بجمعه وترتيبه، يمكنك أن تعرف السبب الذى جعل الأوروبيين يحافظون على الرسوم والتماثيل، فإن الرسم نوع من الشعر الذى نراه ولا نسمعه، والشعر نوع من الرسم الذى نسمعه ولا نراه. ويضيف الإمام محمد عبده فى أعماله الكاملة: إن هذه الرسوم والتماثيل قد حفظت من أحوال الأشخاص فى الشئون المختلفة ومن أحوال الجماعات فى المواقع المتنوعة ما تستحق به أن نسميها ديوان الهيئات والأحوال البشرية، فهم يصورون الإنسان والحيوان فى حال الفرح والرضا، والطمأنينة والتسليم، وهذه المعانى المدرجة فى هذه الألفاظ متقاربة لا يسهل عليك تمييز بعضها عن بعض، ولكنك تنظر فى رسوم مختلفة فتجد الفرق ظاهرا باهرا، وإن حفظ هذه الآثار من الصور والتماثيل هو حفظ للعلم فى الحقيقة وشكرا لصاحب الصنعة على الإبداع فيها. ثم يطرح الإمام على نفسه السؤال «وربما تعرض لك مسألة عند قراءة هذا الكلام وهى»: ما حكم هذه الصور فى الشريعة الإسلامية إذا كان القصد منها تصوير هيئات البشر فى انفعالاتهم النفسية وأوضاعهم الجسمانية، فأقول لك: إن الراسم قد رسم، والفائدة محققة لا نزاع فيها، ومعنى العبادة وتعظيم التمثال أو الصورة قد تم محوه من الأذهان، فاما أن تفهم الحكمة من نفسك بعد ظهور الواقعة. أما من يردد حديث «إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون» فهذا الحديث جاء فى أيام الوثنية وكانت الصور يتم اتخاذها فى ذلك العهد لسببين، الأول اللهو، والثانى التبرك بمثال من ترسم من الصالحين، والأول أى اللهو مما يبغضه الدين، والثانى أى التبرك هو مما جاء الإسلام لمحوه، والمصور فى الحالتين شاغل عن الله أو ممهد للاشراك به، فإذا زال هذان السببان، وكان المقصود هو الفائدة، كان تصوير الأشخاص بمنزلة تصوير النبات والشجر. وبالجملة فإن الشريعة الإسلامية أبعد من أن تقوم بتحريم وسيلة من أفضل وسائل العلم «أى الصور والتماثيل» بعد تحقق أنه لا خطر فيها على الدين، لا من جهة العقيدة، ولا من وجهة العمل، والمسملون يمكنهم الجمع بين عقيدة التوحيد ورسم صور الإنسان والحيوان لتحقيق المعانى العلمية وتمثيل الصور الزهنية. هذا هو كلام الإمام محمد عبده منذ أكثر من مائة عام، لكننا نحن المسلمين أمة تجرى فى المكان، ونعيد ونكرر هذا الكلام من مائة عام دون أى فائدة، فليس بعيدا عنا من قام بتغطية التماثيل لأنها حرام، ولا من زعم بأن قتل البشر والأبرياء هو طريقه للجنة. فأى خبل وأى جنون هذا لمن يقولون عن أنفسهم أنهم مؤمنون بالله، وأى رب هذا الذى يأمر بقتل خلقه.. والبشر جميعا خلقه؟!. رحمتك يارب. لمزيد من مقالات محسن عبد العزيز