خلف غبار الصراعات والحروب الأهلية يعيش ملايين الأفارقة حياة أشبه بالعدم،لا يحس بهم ولا ينتبه إليهم سوى منظمات الإغاثة الإنسانية الممولة من جهات خيرية فى دول تقع على مسافة آلاف الأميال منهم، تشردهم من ديارهم الصراعات العرقية والقبلية والدينية وتُميتهم ببطء المجاعات الناجمة عنها وعن موجات الجفاف والفيضانات المدمرة، ولولا أجراس الخطر التى تدقها منظمات الإغاثة لما علم بحالهم أحد فى الخارج ولا اهتم بإنقاذهم مسئول بالداخل. فمنذ أسابيع ضربت مجاعة مهلكة منطقة قبائل التوركانا فى شمال غرب كينيا بسبب الجفاف الناجم عن عدم هطول المطر لعدة شهور على تلك المنطقة الجرداء المنعزلة والحارة مهددةً حياة أكثر من مليون إنسان ومحولة الكثيرين إلى هياكل عظمية لمرور أيام عديدة عليهم بلا طعام وسط ردود فعل غاضبة من الكينيين الذين اتهموا الحكومة بتجاهل الضحايا وإصرارها على أن معدل الوفيات فيها عادى وليست المجاعة هى السبب. ووصف مراسل إذاعة «بى بى سى» الناطقة باللغة السواحيلية الوضع بقوله إن أكثر المتضررين هم النساء الحوامل وكبار السن والعجزة والأطفال وإن تلاميذ المدارس هجروها ليبحثوا مع أولياء أمورهم فى الأحراش عن ثمار برية تقيهم غائلة الجوع، وإنه وجد نساء وأطفالاً يموتون فى كل قرية زارها وإنه حتى الأشجار الشوكية المعروفة بمقاومة الجفاف جفت. ونقل عن منتقدى الحكومة اتهامهم المسئولين بأنهم لا يزورون مقاطعة التوركانا ثانى أكبر مقاطعات كينيا وأفقرها إلاَ عندما يحتاجون لأصوات أهلها وقت الانتخابات. وليست كينيا وحدها التى ضربت المجاعة بعض مناطقها، فهذه إثيوبيا المجاورة المسماة نافورة إفريقيا لكثرة الأنهار المتدفقة منها إلى دول الجوار ويأتى منها 85% من مياه النيل، يعانى أكثر من ثمانية ملايين فيها من نقص الغذاء وأحيانًا المجاعة بسبب موجات الجفاف وتشريد مئات الآلاف من ديارهم فى مناطق الصراعات العرقية. وقال مسئولون إثيوبيون فى مارس الماضى إن عدد المحتاجين لمساعدات غذائية زاد بنسبة 5% عنه فى العام الماضى وطلبت الحكومة مساعدات قيمتها 1٫3 مليار دولار لتوفير غذاء ومساعدات طارئة للضحايا فى وقت قالت فيه الأممالمتحدة إن ثلاثة ملايين شخص مازالوا مشردين. وفى أكتوبر الماضى حذر تقرير للأمم المتحدة من أن مستويات الجوع فى الكونغو الديمقراطية تضاعفت منذ عام 2017 وأن 13 مليون كونغولى(20% من السكان) ليس لديهم غذاء كاف ويعانى نحو 50% من الأطفال تحت سن الخامسة من سوء التغذية بسبب أعمال العنف التى شردت الآلاف من ديارهم ومنعت المزارعين من الذهاب إلى حقولهم ودفعت الشباب للانضمام إلى الجماعات المسلحة. وقبل ذلك فى يونيو حذر مارك لوكوك مسئول الشئون الإنسانية والمساعدات الطارئة بالمنظمة الدولية من عواقب تفاقم أزمة الغذاء فى منطقة الساحل الإفريقى التى تضم بوركينا فاسو والنيجر ومالى وتشاد وموريتانيا والسنغال، حيث ارتفعت معدلات سوء التغذية إلى أعلى مستوياتها منذ 2012 قائلا إن نحو ستة ملايين يكافحون لتوفير الغذاء لأنفسهم ويعانى 1٫6 مليون طفل من نقص حاد فى التغذية.وأضاف أن معدلات النقص الحاد فى الغذاء فى الدول الست زادت بنسبة 50% منذ 2017 ونفدت مخزونات غذاء الملايين واضطرت العائلات لخفض عدد الوجبات الغذائية ولسحب الأطفال من المدارس وإهمال الرعاية الصحية لتوفير المال لشراء الطعام. صحيح أن إفريقيا ليست وحدها التى تعانى كثير من دولها المجاعة أونقص الغذاء أو سوء التغذية لكنها الأكثر تضررًا وفقًا لدراسة لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) أعلنت نتائجها فى أبريل الحالى وأوضحت أن أكثر من 113 مليون إنسان فى 53 دولة بالعالم يعانون جوعًا حادًا بسبب الحروب والكوارث المناخية وأن اليمن والكونغو الديمقراطية وأفغانستان وسوريا من بين ثمانى دول سجلت ثلثى عدد الأشخاص المعرضين لخطر المجاعة.وأوضحت الدراسة أن نحو 72 مليونا فى إفريقيا عانوا جوعًا حادا لأسباب من بينها انعدام الأمن والجفاف والفيضان والقلاقل، منوهًا بأن 80% من سكان الدول التى تقف على حافة المجاعة يعتمدون فى حياتهم على الزراعة. وفى مارس الماضى، أصدر البنك الدولى تقريرا ذكر أن نصف سكان دول إفريقيا جنوب الصحراء يعيشون تحت خط الفقر وأن الدول المصنفة بأنها الأفقر عالميا كلها إفريقية ما عدا واحدة ويعيش أكثر من ربع جياع العالم فى القارة التى يعانى 20% من سكانها سوء التغذية. وأضاف أنه بينما انخفض عدد الجياع فى العالم بفضل التحسن فى آسيا، خاصةً الصين، وبعض جزر المحيط الهادى من 36% إلى 10% منذ مطلع التسعينيات نجد أنه ارتفع فى إفريقيا من 278 مليونا إلى 461 مليونا وفقًا لتقرير (الفاو) التى حذرت من تداعيات الجوع والفقر على الأوضاع الاجتماعية والأمنية وارتباطها المباشر بالاستقرار السياسى وظاهرة الهجرة. وأرجع البنك الدولى التراجع فى مؤشرات التنمية الاجتماعية والفقر فى إفريقيا لتزايد عدد السكان بسرعة وللحروب والنزاعات المسلحة التى تشل النشاط الزراعى وتزايد المشردين والجفاف والفيضانات غير المسبوقة. وأكد أن انعدام الاستقرار السياسى هو السبب الرئيسى فى فشل معظم خطط التنمية وضياع نتائجها حيث يدور 50% من نزاعات العالم على أرض إفريقيا وقال إن القارة بحاجة إلى أربعة عقود أو خمسة حتى تستقر أنظمتها السياسية وتترسخ المؤسسات الرسمية اللازمة لتحقيق النمو الاقتصادى وتعميم عوائده بشكل مستديم.