رئيس الوزراء العراقي: ما يحدث في غزة يرتقي لمستوى الإبادة الجماعية    تقديم رياض أطفال الأزهر 2024 - 2025.. الموعد والشروط    السفير الروسي بالقاهرة: الغرب يسعى للهيمنة وإنشاء قاعدة معادية لموسكو في أوكرانيا    "عليا الوفد" تلغي قرار تجميد عضوية أحمد ونيس    إحباط تهريب 13 طن قمح محلي بالطريق الدولي في الساحل الشمالي    تفاصيل إتاحة البنك المركزي الدولار لجميع المستوردين دون استثناء    أفضل 3 أنواع في سيارات مرسيدس "تعرف عليهم"    قناة اسرائيلية تلقى الضوء على رجل الأعمال إبراهيم العرجانى واتحاد القبائل العربية    مجموعة تطلق على نفسها "طلائع التحرير مجموعة الشهيد محمد صلاح" تعلن مسؤوليتها عن قتل "رجل أعمال إسرائيلي-كندي بالإسكندرية"،    رئيسة المنظمة الدولية للهجرة: اللاجئون الروهينجا في بنجلاديش بحاجة إلى ملاجئ آمنة    «المصري توك».. ردود أفعال جماهيرية مثيرة على صعود غزل المحلة إلى الدوري الممتاز    بتهمة الرشوة.. السجن 5 سنوات ل نائب رئيس جهاز مدينة القاهرة الجديدة    حر ورياح مثيرة للأتربة.. الأرصاد تكشف عن حالة طقس الخميس    وفاة والدة الفنان كريم عبدالعزيز    مناقشة تحديات المرأة العاملة في محاضرة لقصور الثقافة بالغربية    «اللهم ذكرهم إذا نسوا».. أدعية للأبناء مع بدء موسم الامتحانات 2024    الصحة: اكتشاف 32 ألف حالة مصابة ب الثلاثيميا من خلال مبادرة فحص المقبلين على الزواج    جونياس: رمضان صبحي أخطأ بالرحيل عن الأهلي    «هيئة المعارض» تدعو الشركات المصرية للمشاركة بمعرض طرابلس الدولي 15 مايو الجاري    أسهم أوروبا تصعد مدعومة بتفاؤل مرتبط بنتائج أعمال    التعاون الإسلامي والخارجية الفلسطينية يرحبان بقرار جزر البهاما الاعتراف بدولة فلسطين    جمعية المحاربين القدماء تكرم عددا من أسر الشهداء والمصابين.. صور    عبد الرحيم كمال بعد مشاركته في مهرجان بردية: تشرفت بتكريم الأساتذة الكبار    أخبار الأهلي: تعرف على برنامج تأبين العامرى فاروق فى النادى الأهلى    دعاء للميت بالاسم.. احرص عليه عند الوقوف أمام قبره    هل الحزن اعتراض على قضاء الله؟.. 3 علامات للرضا والتسليم اعرفها    جامعة العريش تحصد كأس المهرجان الرياضي للكرة الطائرة    محافظ الفيوم يشهد فعاليات إطلاق مشروع التمكين الاقتصادي للمرأة    «القاهرة الإخبارية» تعرض تقريرا عن غزة: «الاحتلال الإسرائيلي» يسد شريان الحياة    يوسف زيدان عن «تكوين»: لسنا في عداء مع الأزهر.. ولا تعارض بين التنوير والدين (حوار)    المشدد 10 سنوات لطالبين بتهمة سرقة مبلغ مالي من شخص بالإكراه في القليوبية    أحدثهم هاني شاكر وريم البارودي.. تفاصيل 4 قضايا تطارد نجوم الفن    11 جثة بسبب ماكينة ري.. قرار قضائي جديد بشأن المتهمين في "مجزرة أبوحزام" بقنا    انطلاق الموسم الأول لمسابقة اكتشاف المواهب الفنية لطلاب جامعة القاهرة الدولية    "الصحة" تعلن اكتشاف 32 ألف حالة مصابة ب "الثلاسيميا" في مصر    «8 أفعال عليك تجنبها».. «الإفتاء» توضح محظورات الإحرام لحجاج بيت الله    فرقة الحرملك تحيي حفلًا على خشبة المسرح المكشوف بالأوبرا الجمعة    تعرف على التحويلات المرورية لشارع ذاكر حسين بمدينة نصر    رئيس قطاع التكافل ببنك ناصر: حصة الاقتصاد الأخضر السوقية الربحية 6 تريليونات دولار حاليا    بعد حلف اليمين الدستوري.. الصين تهنئ بوتين بتنصيبه رئيسا لروسيا للمرة الخامسة    ذكرى وفاة فارس السينما.. محطات فنية في حياة أحمد مظهر    تعمد الكذب.. الإفتاء: اليمين الغموس ليس له كفارة إلا التوبة والندم والاستغفار    الزمالك يكشف مفاجآت في قضية خالد بوطيب وإيقاف القيد    مرصد الأزهر: استمرار تواجد 10 آلاف من مقاتلي داعش بين سوريا والعراق    صحة المنيا تقدم الخدمات العلاجية ل10 آلاف مواطن فى 8 قوافل طبية    30 جنيهًا للعبوة 800 جرام.. «التموين» تطرح زيت طعام مدعمًا على البطاقات من أول مايو    صالح جمعة معلقا على عقوبة إيقافه بالدوري العراقي: «تعرضت لظلم كبير»    مصرع سيدة صدمها قطار خلال محاولة عبورها السكة الحديد بأبو النمرس    لمواليد 8 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    ضبط قضايا اتجار في العملة ب12 مليون جنيه    سحر فوزي رئيسا.. البرلمان يوافق على تشكيل المجلس القومي للطفولة والأمومة.. يتألف من 13 عضوا.. وهذه تفاصيل المواد المنظمة    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    بايدن: لا مكان لمعاداة السامية في الجامعات الأمريكية    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    «قلت لها متفقناش على كده».. حسن الرداد يكشف الارتباط بين مشهد وفاة «أم محارب» ووالدته (فيديو)    إعلام فلسطيني: شهيدتان جراء قصف إسرائيلي على خان يونس    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهروب من الثقب الأسود

جلس (أيوب المصري) على (المصطبة) التى تُطل على حيث نجتمع، تملك هذه المصطبة قدرة مُذهلة على فتح مساحات للرؤية بمستويات متعددة المشاهدة ومتباينة طبقات الحضور، قرَّر (أيوب) الاستعداد والتأهب لمتابعة تفاعل بنى قومِه مع الحدث المصيرى المُتَمَثِّل فى (الإعلان عن التقاط أول صورة للثقب الأسود)، وتمثَّل الاستعداد فى (منقد فحم) يجلس عليه (براد) نحاسى عتيق المنبت رغم ما يعلوه من آثار عقودٍ تبدلت عليه آثار خلالها أنواعُ النيران بينما هو يغلي، فيما يجاور (أيوب) على مصطبته (لِبْشَتَين) من عيدان القصب، فالحدث جلل والتفاعل مؤهلٌ ليكونَ أجَلّ. كانت للذِكرى ألسنٌ من ألق تنير فى روح (أيوب) كل مدي، وتفتح لأنفاسه كل مسام لتنسم عبق ما كان أملًا فى تجاوز ما هو كائن، لبلوغ ما يليق بوطن مثل (مصر) ليكون وتكون ولنكون معه على خريطة الوجود حضوراً، تقول الذكرى الموثَّقة إن المصرى القديم ربط عباداته بالشمس مُطلقًا عليها اسم (رَعْ)، وخلف لنا من أثر هذا اليقين صورًا تجسد (رع) محمولًا على قارب (شو) يسبح فى الفضاء، يحمله حين تغيب الشمس الى العالم السفلى (دات)، ليأتى نائبه (القمر /تحوت) ليحل محله، كان للأجداد إيمانهم الذى ترجموه علمًا ليصنعوا به حضارتهم، فابتكروا أدوات للرصد الفلكى وتحديد مواقع الأجرام، وكانوا أوَّلَ من قسم السنة الى (360) يومًا، وكان لهم سنة قمرية مقسمة إلى اثنى عشر شهرا، كانت الذكرى الدافع الأساسى لتأهب (أيوب) لمتابعة الحدث. وكان أن أعلنت وكالات الأنباء العالمية أن مشروعًا دوليًا مشتركًا بدأ عام 2012 فى محاولة لرصد بيئة الثقب الأسود باستخدام شبكة عالمية من أجهزة التليسكوب المتمركزة على الأرض، واسم هذا المشروع (إيفنت هورايزون تليسكوب)، وعبره أعلنت الباحثة الشابة (كاتى باومان)، اكتشاف (خوارزمية ساعدت بشكل أساسى على تصويرالثقب الأسود بعدما ظل البشر يسمعون به طيلة عقود دون أن يتمكنوا من رؤيته بالعين). وكان أن سوقت وكالات الأنباء للحدث، وبدأت وسائل التواصل الاجتماعى توجه طاقاتها نحو التفاعل مع الحدث العلمى ومع (المقطع المصور) إلى تحول فى دقائق إلى متصدر لجميع وسائل التواصل الاجتماعي، وهكذا حدثٌ يفرض على (أيوب) أن يبدأ المتابعة عبر صب أول كوب شاى ومص أول عود قصب، فبالتأكيد سيكون التفاعل مع الحدث مصارحة للذات المصرية بحجم المسافة التى تم تفويتها فى سباق الحضور الإنساني. فى حلبات التفاعل المصرى الإنسانى مع الحدث، لم يختلف الواقع كثيرًا فى تجمعات (المولات والكافيهات)، عنها فى اجتماعات المقاهى والحارات، القاعدة الأساسية الحاكمة لكلٍ تفاعل إلكترونى أو مباشر تتلخص فى مرحلة أولى هى طرح الحدث عبر منصة الفاهم الواعى الملم بكل التفاصيل، ثم مرحلة ثانية هى الترقية على الطرح عبر منصة الأفهم والأوعى والأكثر إلمامًا، لتبدأ مرحلة ثالثة هى نقد الطرح من قبل من يرى منصة النقد هى منصة الحضور وسط من يدعى الفهم والوعى والإلمام، لتحيلنا هذه المحطة إلى التشتت والتفرق عبر انسحابات نحو قوقعة الرفض إيمانًا أو الرفض شكًا أو الرفض سخريةً أو الرفض صمتًا، ليستحيل الجميع رافضين رفضًا حتم الهرب من مواجهة ذواتنا وواقعٍ مهِدِد للوجود تستفحل تهديداته.
كانتْ أكواب الشاى تتوالى صبًا من (براد أيوب)، وكانت (مصاصة) القصب قد استحالت أكوامًا من حوله بينما هو يُتابع حوارات الكافيهات الخاصة بنقد ما أعلنته (باومان)، حيث يرى الشاب (الكُول) فى طرحه على الشابة (الكول) أن الباحثة لصة وأنانية خصت نفسها بالإعلان (علشان تقول إن البنات أحرف من الولاد فى العلم ده)!، بينما رأى الرجل (الكُبَّارَه الحِدق) أن هؤلاء, الغرب, ناس تحيا فى رفاهية الأفكار (خلَّصوا كل مشاكل العالم ورايحين يدوروا على الثقوب السودة وأى حاجة والسلام علشان يقولوا إنهم عُلَمَا). أما الأخ الذى يقطر الإيمان من لحيته وربما من جلبابه القصير أو حتى من ابتسامته التنظيمية المعلبة فيقول (أصلًا الثقب الأسود منصوص عليه فى القرآن)، لكن آخر أكثر منه إيمانًا وورعًا يؤكد (أنها فتنة فى الدين يطرحها الكفرَة والملاحدة ومن ينساق خلفهم سيحشر معهم)، بينما يرى الأسطى الفهيم (أن هذا شغل إيهام وجرافيك) ويردد مقولة (الكبير قوي) فى مسلسله (آدى آخرة الحاجات اللى عَتْجَقِطْهَا علينا أمريكا).
تصبح أكواب الشاى مع مصاص القصب تلالاً تفصل بين (أيوب المصري) ومجالس نقاش المصريين حول (الثقب الأسود)، يقوم من مجلسه ينفض ماعلق بملابسه من بقايا قشر القصب، ويتكئ على عصاه متجها نحو طريق طويل ممتد ترسمه الحارة المصرية أمامه وفى مداه البعيد شمسٌ لغد مقبل، يلتفت خلفه يجدنا جميعًا نجلس فى (ثقب أسود) .. تحمله خطواته نحو قرار أكيد (الهرب من الثقب الأسود).
لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.