وزير التعليم العالي يبحث مع نائب رئيس جامعة لندن تعزيز التعاون المشترك    نقيب أطباء الأسنان يدلي بصوته في انتخابات التجديد النصفي بلجان الإسكندرية    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد النصر بشمال سيناء    منها «ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن».. 7 أهداف للحوار الوطني    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    الطماطم ب5 جنيهات .. أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الجمعة 26 إبريل    أستاذ تخطيط: تعمير سيناء شمل تطوير عشوائيات وتوفير خدمات    إنفوجراف| ارتفاع أسعار الذهب مع بداية تعاملات اليوم الجمعة 26 أبريل    بعد ساعات من تطبيقه.. لماذا لجأت الدولة لعودة العمل ب التوقيت الصيفي؟    دراسة مشروع واعد لتحويل قناة السويس إلى مركز إقليمي لتوزيع قطع الغيار    إزالة 30 حالة تعد ضمن المرحلة الثالثة للموجة ال22 بالبحيرة    كاتب صحفي: الدولة المصرية غيرت شكل الحياة في سيناء بالكامل    رئيس الصين لوزير الخارجية الأمريكي : يجب على البلدين الالتزام بكلمتهما    شهيد فلسطيني إثر إطلاق الاحتلال الإسرائيلي النار عليه جنوب قطاع غزة    احتجت على سياسة بايدن.. أسباب استقالة هالة غريط المتحدثة العربية باسم البيت الأبيض    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا    خبير: الاحتلال وغياب أفق التسوية وراء تصاعد المواجهات الدم وية في غزة    دوري أبطال أفريقيا.. أحمد حسن يكشف عن تشكيل الأهلي المتوقع لمباراة مازيمبي    حسام المندوه : الزمالك جاهز لموقعة العودة أمام دريمز .. وهناك تركيز شديد من الجميع    تواجد مصطفى محمد| تشكيل نانت المتوقع أمام مونبلييه في الدوري الفرنسي    تشافي يطالب لابورتا بضم نجم بايرن ميونخ    اتحاد جدة يكشف تفاصيل إصابة بنزيما وموقفه من مباراة الشباب    أرسنال يختبر قوته أمام توتنهام.. ومواجهة محفوفة بالمخاطر لمانشستر سيتي    خلال 24 ساعة.. تحرير 489 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    بلطجية يقتحمون الشقق فى الإسكندرية .. الأمن يكشف حقيقة المنشور المثير    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي في الاسكندرية    مأساة في حريق شقة «التجمع الأول».. النيران تلتهم طفلين وتصيب الثالثة (تفاصيل)    أمن القاهرة يكشف غموض بلاغات سرقة ويضبط الجناة | صور    عرض افلام "ثالثهما" وباب البحر" و' البر المزيون" بنادي سينما اوبرا الاسكندرية    أفكر في الزواج للمرة الثانية، أبرز تصريحات صابرين بعد خلعها الحجاب    توقعات علم الفلك اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    في ذكرى ميلادها.. أبرز أعمال هالة فؤاد على شاشة السينما    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الحرمين الشريفين    دعاء صباح يوم الجمعة.. أدعية مستحبة لفك الكرب وتفريج الهموم    الصحة: إجراء فحص طبي ل 1.688 مليون شاب وفتاة مقبلين على الزواج    تنظيم قافلة طبية مجانية ضمن «حياة كريمة» في بسيون بالغربية    طريقة عمل هريسة الشطة بمكونات بسيطة.. مش هتشتريها تاني    نائب وزير خارجية اليونان يزور تركيا اليوم    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد الجيش الإسرائيلي يوم الخميس    رمضان صبحي: نفتقد عبد الله السعيد في بيراميدز..وأتمنى له التوفيق مع الزمالك    الشركة المالكة ل«تيك توك» ترغب في إغلاق التطبيق بأمريكا.. ما القصة؟    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور في 20% من عينات الألبان في الولايات المتحدة    واعظ بالأزهر: الإسلام دعا إلى صلة الأرحام والتواصل مع الآخرين بالحسنى    جامعة الأقصر تحصل على المركز الأول في التميز العلمي بمهرجان الأنشطة الطلابية    لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    حكاية الإنتربول مع القضية 1820.. مأساة طفل شبرا وجريمة سرقة الأعضاء بتخطيط من مراهق    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    بعد سد النهضة.. أستاذ موارد مائية يكشف حجم الأمطار المتدفقة على منابع النيل    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي رسميًّا    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    مخرج «السرب»: «أحمد السقا قعد مع ضباط علشان يتعلم مسكة السلاح»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«أسانج».. من غرفة السفارة للسجن
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 04 - 2019

عندما قدم جوليان أسانج، مؤسس موقع «ويكيليكس»، نفسه على أنه شخص يقوم بتوصيل الطلبات على دراجة نارية ودخل متنكراً للسفارة الإكوادورية وسط لندن، لم يكن يتصور أنه سيظل رهين هاتين الغرفتين الصغيرتين فى الطابق الأول فى مبنى السفارة لمدة 7 سنوات كاملة.
لكن بعد 2487 يوماً قضاها فى سفارة الإكوادور، وفى مشاهد درامية اعتقلته الشرطة البريطانية رغما عنه، بعدما رفض الخروج طواعية، محمولاً من قدميه وذراعيه، ليدفعه رجال الشرطة نحو سيارة كانت بالانتظار أمام السفارة، بينما أسانج يصرخ «بريطانيا دولة بلا سيادة».
أكثر من دولة تطالب بأسانج على رأسها امريكا التى تريد محاكمته بتهمة نشر وثائق سرية تتعلق خصوصاً بممارسات الجيش الأمريكى فى العراق وافغانستان، إضافة إلى ممارسات أخرى من بينها تجسس الاستخبارات الأمريكية على زعماء دول حليفة. بريطانيا تريد محاكمته أيضاً بتهمة انتهاك شروط اطلاق سراحه بكفالة عام 2012. السويد بدورها تريد إعادة فتح تحقيق معه بتهمة التحرش والاغتصاب.
لكن رحلة أسانج لن تكون رحلة سهلة أو قانونية فقط، بل سياسية أيضا. فزعيم حزب العمال البريطانى جيرمى كوربن أعلن رفضه تسليم أسانج للولايات المتحدة الأمريكية للمثول أمام القضاء فى التهم الموجهة له، وهو رأى يشاركه فيه قطاع واسع من البريطانيين. فلدى أسانج أصدقاء كثيرون فى بريطانيا وامريكا من بينهم المفكر الأمريكى نعوم تشومسكي، وأستاذ الاقتصاد السياسى البارز فى جامعة نيويورك ريتشارد وولف، والمغنية الأمريكية ليدى جاجا، وأمل وجورج كلوني، ومصممة الأزياء البريطانية فيفيان ويستوود، ولاعب الكرة الفرنسى إريك كانتونا، وجاميما خان الزوجة السابقة لرئيس الوزراء الباكستانى عمران خان، والممثلة الامريكية باميلا اندرسون وآخرون.
ومعركة محاكمته وتسليمه لأمريكا ستفتح الباب على مصراعيه أمام جدل سياسى وقانونى أخلاقى حول حرية النشر، والتعامل مع المعلومات السرية التى تخفيها الحكومات، وفكرة الصالح العام، وفكرة الأمن القومي. ففى نهاية المطاف، خلصت إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما إلى أنها لن تكون قادرة على مقاضاة أسانج دون أن تقاضى أيضاً صحفاً مثل «نيويورك تايمز» و«الجارديان» اللتين نشرتا الوثائق السرية التى كشفها موقع «ويكيليكس».
وفى نظر الكثيرين أسانج ليس مجرد شخص، بل فكرة ينبغى أن تتجذر وتتعمق. هذه الفكرة هى الشفافية وحرية كشف الوثائق السرية التى تخفيها الحكومات عن أعين المواطنين. وفى فكرته هذه أستعان أسانج فى البداية برأس ماله الأساسى وهو قدرته الاستثنائية على فك شفرات برامج الكمبيوتر. وبعد سنوات وفى عام 2006، أسس أسانج موقع «ويكيليكس»، الذى يهتم بنشر الوثائق والصور السرية. ونشر «ويكيليكس» وثائق من بلدان عديدة، لكنه لم يشغل عناوين الصحف إلا عندما نشر شريط فيديو لمروحية أمريكية تطلق النار على مدنيين فى العراق فى أبريل عام 2007، ما أدى إلى مقتل 18 مدنياً. وتصدر الفيديو عناوين الصحف فى أنحاء العالم فى عام 2010وتسببت اللقطات التى نقلتها وسائل الإعلام فى صدمة واسعة فى العالم. واستمر الموقع فى نشر كميات جديدة من الوثائق من بينها خمسة ملايين رسالة بريد إلكترونى سرية من شركة الاستخبارات «ستراتفور»، ومقرها الولايات المتحدة.
ثم جاءت الاتهامات ضد أسانج بالتحرش والاغتصاب، وهى الاتهامات التى قال إنها «مسيسة». وجادل أسانج، الذى كان قد سُجن لفترة وجيزة ثم بكفالة لأكثر من عام ، بأنه يتعين على النيابة العامة السويدية مقابلته فى لندن، خشية أن تسلمه السويد إلى الولايات المتحدة لمقاضاته بسبب الوثائق السرية التى نشرها موقع «ويكيليكس»، والتى نشرت فى «الجارديان» و«نيويورك تايمز» ضمن صحف أخري. وكان مصدر قلق أسانج أن المحللة فى الاستخبارات الأمريكية، تشيلسى مانينج التى زودته بغالبية هذه الوثائق كانت تحاكم فى امريكا بتهمة التجسس. وقد حكم عليها بالسجن 35 عاماً قبل أن يخفف أوباما العقوبة. ووسط رفض السويد إعطاء أسانج ضمانات بعدم تسليمه لامريكا، عرضت الإكوادور عليه اللجوء كخيار أخير لتجنب تسليمه إلى السلطات السويدية بعد أن فشل استئنافه فى المحكمة العليا البريطانية. لم تكن ترتيبات اقامة أسانج فى سفارة الإكوادور مريحة. ففى البداية أضطر للنوم على مرتبة على الأرض ومشاركة الحمام ومطبخ صغير إلى أن تم توفير غرفتين صغيرتين فى الطابق الأول.
ومن السفارة، واصل موقع «ويكيليكس» نشر وفضح تفاصيل التكتيكات الأمريكية فى المفاوضات التجارية، والتجسس على حكومات الدول الأخرى ومن بينها التجسس على هاتف المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، وطرق القرصنة التى تتبعها وكالة الاستخبارات المركزية.
ثم تدهورت العلاقة بين أسانج ومضيفيه فى السفارة الإكوادورية بعد انتخاب لينين مورينو رئيساً للأكوادور فى عام 2017. وكان مورينو قد وصف أسانج بأنه «طوبة فى الحذاء»، راهناً بقاء أسانج فى السفارة بالالتزام بشروط معينة.
لكن العلاقة بين الاكوادور وأسانج زادت توتراً مع الوقت. فقد منعت السلطات هناك استخدامه للإنترنت، قائلة إنه انتهك اتفاقًا بعدم التدخل فى شئون الدول الأخرى وذلك وسط اتهامات له بالتدخل فى انتخابات الرئاسة الامريكية بالتنسيق مع روسيا لدعم حملة الرئيس الامريكى دونالد ترامب عبر نشر سلسلة من الوثائق السرية الضارة بحملة مرشحة الحزب الديمقراطى هيلارى كلينتون.
وبعد رفع حظر استخدامه للانترنت، عاد الحظر مرة أخرى فى 2018 وذلك عندما قام أسانج بالتغريد دعماً لحركة الاستقلال الكاتالونية فى أسبانيا، مما تسبب فى شقاق بين البلدين. كما تحدى أسانج اتهام بريطانيا بأن روسيا هى المسئولة عن تسمم العميل الروسى السابق سيرجى سكريبال وابنته يوليا.
وأخيراً، قررت الإكوادور طرد أسانج من السفارة وتسليمه للسلطات البريطانية لنظر التهم الموجهة إليه.
الأيام والأسابيع المقبلة ستكون حتماً حافلة بالدراما السياسة والقانونية. وسيتواصل الانقسام حول أسانج، بين من يرون أنه أساء استغلال قدراته الاستثنائية فى فك الشفرات ونشر المعلومات السرية، وبين من يرون أنه أسدى إلى الديمقراطية الغربية خدمة جليلة بكشف مخالفات وجرائم لم يحاسب مرتكبها وراح ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء فى العراق وأفغانستان. يكفى تأثير نشر سجلات حرب العراق، أو التقارير الميدانية للجيش الأمريكى من 2004 إلى 2009 والتى نشرت على الإنترنت فى 22 أكتوبر 2010. ففى هذه السجلات، وبعيداً عن اللغة الدعائية الأمريكية حول نشر الديمقراطية فى العراق وأفغانستان، ظهرت صورة قاتمة لممارسات إجرامية للجنود الأمريكيين فى العراق تتراوح بين القتل العشوائي، والكذب حول الأرقام الحقيقية للضحايا المدنيين، وسوء استخدام السلطة الممنوحة لهم، والتنكيل بالعراقيين فى السجون الأمريكية كما رأى العالم فى سجن أبو غريب. ففى سجلات حرب العراق مثلاً التى كشفها «ويكيليكس»، عرف العالم أن عدد القتلى العراقيين كان أكثر من 150 ألف شخص، 80% منهم من المدنيين الذين لم يحملوا السلاح يوماً. كما كشفت الوثائق السرية أن القوات الأمريكية فشلت فى التحقيق فى سوء المعاملة والتعذيب والاغتصاب وحتى القتل على أيدى القوات الأمريكية وقوات الشرطة العراقية خلال سنوات الاحتلال الامريكى للعراق. وبكل المعايير، فإن ما صنعه موقع «ويكيليكس» من كشف الفجوة الكبيرة بين ما تقوله أمريكا على الورق وما تصنعه على الأرض، سيظل إرثا مهما سواء تم إسكات أسانج بالسجن أو لم يتم إسكاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.