يعيش دكتور مصطفى الفقى حياته كحكاية كبيرة يرويها دائما عن نفسه وعن الرجال الذين عرفهم فى السياسة والحكم والفن والإبداع. حكاية فيها من الاثارة الكثير، وفيها من الفلسفة وحكمة الحياة ما يروى الظمأ إلى المعرفة. ودكتور الفقى عندما يتكلم ويحكى، لسانه أجرأ من عقله، وفكره أكبر من مناصبه، وذاكرته تحوى حكايات لا تنفد عن رجال من كل الأصناف. ويحكى عن الجميع دون النظر للحب أو الكراهية، يجعلك تحب الشخص، ثم تكرهه، ثم تحبه، أحيانا يحاول أن يلتمس العذر بعد أن يحكى الحكاية التى كان شاهدا عليها ولك أن تقبل العذر أو لا تقبله لكنك فى كل الأحوال سوف تكون سعيدا بما وراء الحكاية من تصاريف غريبة للقدر. والفقى الذى كان سكرتيرا للرئيس مبارك للمعلومات جعل للمنصب سحرا وألقا بعقله الوهاج وثقافته الواسعة، ومن عشرات الذين شغلوا المنصب لن يتذكر الناس غير مصطفى الفقى. والفقى يتحدث عن نفسه بصراحة كما يتحدث عن الآخرين، فيعترف: «أنا لست ثوريا بطبيعتى ولا أتحمس لمنطق الثورة، أنا إصلاحى النزعة، ورأيى وتوجهاتى الإصلاحية مضمونة العواقب فى الغالب، لان الثورات تجلب أحيانا على الأمم والشعوب مفاجآت لا تكون مستعدة لها، وقد رأيت هذا بنفسى فى تاريخ مصر الحديث». ويضيف فى كتابه لقطات من العمر الصادر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر: الخوف أحد مكونات شخصيتى، ليس الخوف من حاكم أو سلطان، وانما الخوف من المجهول، من يفهم فلسفة الكون، الخوف من فكرة التى تبدو غامضة جدا، ولكنها عميقة أيضا. والفقى هو أفضل من يحلل شخصيات الرؤساء والسياسيين وفهم الظروف المحيطة بزمانهم. يقول: كل عواطفى مع عبدالناصر وعصره، رغم أننى مؤمن بأن مصر لو صارت بالتدرج الطبيعى فى الإصلاح منذ الأربعينيات لتغيرت الحال، لكن المشكلة أننا نأتى بثوار غير قادرين على الاستمرار فى هذا التغيير ودفعه إلى ما هو أفضل، لهذا تجد المجتمعات تنتكس ولا تتقدم. ولو غيرت ثورة يوليو مسارها واستطاع عبدالناصر أن يسلم الحكم للقوى الديمقراطية، ويقف خلفها كضمير للوطن حارسا لما يريد أن يفعله، ربما كانت مصر الآن فى مستوى جنوب أوروبا. وعبدالناصر له فضل كبير فى نهج روح معينة فى هذه المنطقة من العالم، لكن لو قرن ذلك بتنظيم سياسى يضم قوى إصلاحية لكان الأمر مختلفا عبدالناصر كان قوميا خارج المنافسة.. البعض يقول مات وتركها محتلة، هذا كلام فارغ نسمعه كثيرا، فالروح التى دفعها عبدالناصر فى هذه المنطقة من العالم روح قوية، وكأنما ثورة 25 يناير قامت لترد له شيئا من قيمته. والسادات كان رفيع الشأن فى الشارع السياسى، فعل ما لم يفعله أحد، اشترك فى تنظيمين سريين فى وقت واحد «الضباط الأحرار» و«الحرس الحديدى» وكان نصر أكتوبر أفضل دليل على عبقريته. والفقى الذى يشغل رئيس مكتبة الإسكندرية تخرج فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1966، تزوج قبل وفاة عبدالناصر بعشرة أيام، وخرج مع عروسه للجلوس فى كافتيريا بالزمالك ومرت ساعة ولم يقدم لهما أى طعام أو شراب، وفجأة أبلغه أحد العاملين فى الكافتيريا، بأنه لا يوجد نقدمه اليوم، وسوف نغلق الآن! وسأله الفقى لماذا؟ أجاب: الريس مات. وظن الفقي: أنه ريس المطعم فقال له: لماذا سمحتم لنا بالدخول ولديكم هذه الظروف؟ فرد الرجل قائلا: وأنا كنت أعرف منين يا أستاذ؟ منذ دقائق أعلن السادات وفاة الريس. فصرخ الفقى الريس عبدالناصر مات؟! وراح يبكى هو وعروسه، فمصر كلها كانت تبكى وكان الصراخ يأتى من كل مكان. ولأن الفقى حكاء ماهر فقد خرج من منصب سكرتير الرئيس بسبب زلات لسانه يحكى هنا ويرصد ما يحدث هناك. يقول عن نفسه: استطيع أن اتحدث دائما ولا اسيىء للآخرين لكن تظل لدى رغبة فى مناقشة أى موضوع بلا حدود أيا كان، وهذه كانت تؤخذ على كثيرا، ومبارك كان يقول لى دائما: لولا لسانك المفلوت كان زمانك أعلى من هذا بكثير.. وكنت أشعر بأن كل هذه المعلومات لا قيمة لها وهم كانوا يعتبرونها أسرارا ويغلقون عليها كل المنافذ والأبواب. لمزيد من مقالات محسن عبدالعزيز