ليست العبرة فيما تحققه مصر من مكاسب دبلوماسية متتالية، ولا ما تشغله من مناصب دولية مرموقة، ولكن العبرة بما ستحققه مصر من فوائد جراء ذلك. هذا ما ينطبق حرفيا على «الهدف» الثمين الذى سجلته السياسة والدبلوماسية المصرية قبل أيام فى العاصمة الإيطالية روما عبر فوز مصر برئاسة المجلس التنفيذى لبرنامج الغذاء العالمى ممثلا عن القائمة الإفريقية، والذى جاء خطوة مهمة لا تقل أهمية عن سلسلة النجاحات الإقليمية والدولية التى حققتها مصر فى الفترة الأخيرة، وأبرزها توليها رئاسة الاتحاد الإفريقي، واستضافتها القمة العربية الأوروبية فى شرم الشيخ، فضلا عن دعوتها للمشاركة فى قمتين كبيرتين فى اليابان هذا العام، وهما قمة العشرين، وقمة «التيكاد 7». وتعد هذه هى المرة الأولى التى يتم فيها انتخاب مصر لهذا المنصب الرفيع منذ إنشاء المنظمة فى ستينيات القرن الماضي، علما بأن برنامج الغذاء، الذى تسلم مهامه السفير هشام بدر سفير مصر لدى إيطاليا ومندوبها الدائم لدى منظمات الأممالمتحدة فى روما، يعد أكبر منظمة للإغاثة الإنسانية والتنموية فى العالم، ومن المنظمات الرائدة فى مكافحة الجوع وتقديم المساعدات حول العالم، حيث استفاد منه أكثر من 80 مليون شخص منذ إنشائه، كما يعد من أهم البرامج الداعمة لجهود مصر فى القارة الإفريقية. ولعل هذا ما أكده بالفعل الأمريكى ديفيد بيسلى المدير التنفيذى للبرنامج، بقوله فى كلمته الافتتاحية التى نشرتها المنظمة عبر موقعها الرسمى إنه «يتعين على المصريين أن يكونوا فخورين اليوم بما حققوه من إنجازات فى المجال الدبلوماسى الدولي»، فى إشارة إلى توليها رئاسة المجلس التنفيذى للبرنامج فى عام رئاستها الاتحاد الإفريقي. وفى هذا الصدد، يقول السفير هشام بدر إن هذا الاختيار إنما يأتى تتويجاً لجهود الدبلوماسية المصرية والسفارة فى روما خلال العام الماضى فى مجالات تحقيق الأمن الغذائى والتغذية فى البرنامج، خاصة فى ضوء تولى مصر منصب نائب رئيس المجلس خلال عام 2018، منوها إلى أن المجلس التنفيذى يعد الجهاز الرئيسى الذى يقرر السياسات والبرامج والخطط التنموية للبرنامج فى الدول النامية، علاوة على إقرار ميزانية البرنامج والإشراف على تنفيذ أنشطته المختلفة. ويضيف بدر أن البرنامج يعد أكبر منظمة تابعة للأمم المتحدة تعمل فى مجال الإغاثة الإنسانية فى العالم، حيث بلغت ميزانيته 7٫5 مليار دولار فى عام 2018، ويستفيد من أنشطة البرنامج نحو 100 مليون شخص فى أكثر من 80 دولة عبر العالم عبر المساعدات الإنسانية والغذائية للجوعى والفئات الأكثر احتياجاً جراء الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة، علاوة على دعم شبكات الحماية الاجتماعية تمويل عدد من البرامج ذات العائد التنموى وأبرزها دعم شبكات الحماية الاجتماعية فى الدول المستفيدة. ويكشف السفير بدر عن أن الأولويات المصرية خلال رئاسة المجلس التنفيذى للبرنامج ستركز على توجيه مجالات عمل المجلس بما يتفق ومصالح الدول النامية، وعلى رأسها إفريقيا، لدعم جهود تحقيق الأمن الغذائى والتغذية والعمل على إنهاء الجوع بحلول 2030، خاصة فى ضوء زيادة عدد الجوعى فى العالم خلال السنوات الثلاث الماضية، ليصل العدد إلى 821 مليون شخص، وهو التحدى الذى يصفه السفير بأنه يتطلب العمل على تعزيز الشراكة والتعاون بين منظمات الأممالمتحدة المعنية، وعلى رأسها برنامج الغذاء العالمي، لمساعدة الحكومات الوطنية فى تنفيذ أهداف التنمية المستدامة وإنهاء الجوع فى العالم بحلول 2030، علاوة على حشد مزيد من مصادر التمويل من خلال تعزيز الشراكات مع المؤسسات المالية الدولية والقطاع الخاص لدعم البرامج التنموية وبما يسهم فى معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الإنسانية فى العالم. وفيما يتعلق بمصر تحديدا، يوضح بدر أن برنامج الغذاء العالمى يُعد أحد أكبر الشركاء التنمويين لمصر، حيث تبلغ ميزانية البرنامج لتنفيذ الخطة الوطنية لمصر خلال السنوات الخمس المقبلة 454 مليون دولار يتم تمويلها من الشركاء والدول المانحة للبرنامج، وتستهدف الخطة دعم أولويات الحكومة المصرية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر2030 من خلال التركيز على جهود تحقيق الأمن الغذائى وتعزيز التغذية بالنسبة للفئات الأكثر احتياجاً، ودعم جهود الحكومة فى توفير الاحتياجات الأساسية للاجئين السوريين والنازحين من الدول الأخرى المقيمين فى مصر، علاوة على دعم جهود الحكومة فى تنفيذ برنامج التغذية المدرسية الذى يعد أكبر برنامج من نوعه فى قارة إفريقيا، إذ يغطى نحو 13 مليون طالب، بتكلفة إجمالية تصل إلى نحو مليار جنيه. والنقطة الأهم هى أن الرئاسة المصرية للمجلس التنفيذى كما يوضح بدر - ستضع أولوية متقدمة لبرامج التغذية المدرسية لطلاب المدارس فى المجتمعات المحلية الفقيرة الذى يغطى نحو 16 مليون طالب غالبيتهم فى إفريقيا، والتى تعد أحد أنجح البرامج التى تنفذها منظمات ووكالات الأممالمتحدة بالنظر إلى أهدافها العديدة على المستوى التعليمى والصحى والاجتماعى والاقتصادى والأمنى فى الدول المستفيدة. ويوضح بدر فى هذا الصدد أن لهذه الأنشطة دورا كبيرا فى الحد من التسرب التعليمى والزواج المبكر عند الفتيات، علاوة على توفير فرص عمل للمجتمعات المحلية لإعداد هذه الوجبات الصحية، وهو ما يترتب عليه دعم جهود مكافحة الإرهاب والتطرف من خلال إبقاء الطلاب فى المدارس وعدم تركهم فريسة للتجنيد من قبل قوى التطرف والإرهاب، الأمر الذى يتماشى مع الأولوية الكبيرة التى توليها الحكومة المصرية والرئيس عبد الفتاح السيسى لمكافحة الإرهاب والتطرف، وبما يتزامن أيضا مع مبادرة الرئيس الخاصة ب «100 مليون صحة» ومكافحة فيروس الالتهاب الكبدى الوبائي، وكذلك العمل على توسيع برنامج التغذية المدرسية ليغطى كل المدارس الحكومية فى مصر، والذين يقدر عددهم نحو 13 مليون نسمة، من بينهم مليونا شخص سيتم دعمهم من خلال برنامج التغذية المدرسية الذى ينفذه برنامج الغذاء العالمي، بما يجعله أكبر برنامج للتغذية المدرسية للبرنامج فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.