نادرة هى الأعمال الفنية التى تناولت ثورة الشعب المصرى سنة 1919، فالذاكرة السينمائية لا تحتفظ سوى بفيلمين أولهما «بين القصرين» وهو أول أجزاء ثلاثية نجيب محفوظ من إخراج حسن الإمام، والثانى «سيد درويش» فنان الشعب الذى ارتبط اسمه هو والأديب نجيب محفوظ بتلك الثورة، وفيلم «مصطفى كامل». ........................................... وعلى الرغم من أن نجيب محفوظ ولد قبل اندلاع ثورة 19 بسنوات قليلة وتحديداً فى عام 1911، وكان يبلغ من العمر وقت الثورة 8 سنوات فقط، فإنه استطاع بعبقرية شديدة أن يصفها بدقة، وأن ينصفها بكل حب وإخلاص فى عدد كبير من أعماله التى تحول واحد منها إلى عمل سينمائى خالد، أخرجه حسن الإمام والمولود فى نفس عام ثورة 1919، وهو «بين القصرين» الذى استطاع من خلاله وأن يجسد عبقرية تلك الثورة، بالكثير من الدلالات والتفصيلات المذكورة فى كتب التاريخ، فكان الإمام فى ذلك الفيلم مؤرخ المرحلة، حريص على تجسيدها سواء فى شكل الملابس التى اختارها، وهيئة الجموع التى خرجت للتظاهر ضد الاستعمار وغيرها من الأشكال البصرية التى حرص الإمام على نقلها بحرفية عالية، حتى إن الكثير من البرامج والأفلام الوثائقية تستخدم مشاهد الإمام فى «بين القصرين كمشاهد حقيقية واقعية. «بين القصرين الذى عرض فى 1964 للمخرج حسن الإمام، مأخوذ عن الجزء الأول من الثلاثية ذائعة الصيت لأديب نوبل نجيب محفوظ. وفى هذا الفيلم يستعرض حسن الإمام الأجواء المصرية فى أثناء اندلاع الثورة، فنرى المظاهرات الحاشدة، ومشهد «قلب الترام»، وخطب الشيوخ والقساوسة فى الكنائس والمساجد، وخروج طلاب المدارس مطالبين بالاستقلال، ونذالة الاحتلال الإنجليزى الذى أطلق جنوده النار على المتظاهرين السلميين، وقد اعتبرت المشاهد المصورة فى هذا الفيلم ضمن وثائق ثورة 1919، فما من ذكر يأتى على هذه الثورة إلا وصاحبتها بعض مشاهد «بين القصرين». ومن بين الأفلام السينمائية التى تناولت ثورة 1919 فيلم «مصطفى كامل» الذى جسد قصة حياة الزعيم مصطفى كامل، ورغم أن الزعيم توفى قبل الثورة بسنوات، فإن أحداث الفيلم بدأت من ثورة 1919، ليعود الفيلم بالمشاهد حتى يصل إلى الزعيم مصطفى كامل ورحلته الوطنية وفترة نضاله من أجل الاستقلال. »تعلن أفلام المصرى أن الظروف حالت فى العهد الماضى دون تسجيل اسم واضع قصة هذا الفيلم، ويسرنا أن نعلن فى عهد التحرير أن فكرة القصة من وضع الأستاذ فتحى رضوان».. بهذه العبارة يستهل المخرج أحمد بدرخان مقدمة فيلمه المهم «مصطفى كامل» الذى قامت شركته «المصرى» بإنتاجه، وعرض للمرة الأولى فى 14 ديسمبر 1952، وهذا هو الفيلم الأول - تقريبا - الذى تناول ثورة 1919 فى السينما المصرية، إذ إنه من الصعب أن تسمح قوات الاحتلال الإنجليزى بإنتاج فيلم عن ثورة الشعب ضد جنودها، لذا ما إن قامت ثورة يوليو 1952، وأصبح الاحتلال الإنجليزى على وشك الرحيل، تجرأ صناع السينما وقرروا تسجيل وقائع ما حدث فى عام 1919. وصحيح أن مصطفى كامل رحل عام 1908، لكن أحداث الفيلم تبدأ مع اندلاع الثورة فى التاسع من مارس عام 1919، وتستمر لمدة سبع دقائق تقريبًا، قبل أن يعود الفيلم «فلاش باك» ليقص علينا حكاية الزعيم مصطفى كامل، وهكذا يقدم لنا المخرج فى مشاهد سريعة لقطات حية تصور الحشود فى هذه الثورة وهتافاتها «سعد زعيم الأمة/ تعيش مصر حرة/ النيل لا يتجزأ»، ثم تقترب الكاميرا من شيخ معمم وقس يقودان معًا مظاهرة شعبية، وامرأة تستقل الحنطور ترفع العلم وتعلن بحرقة «تعيش مصر حرة»، بينما راح جنود الاحتلال الإنجليزى يطلقون النار على المتظاهرين. بعد ذلك نرى حسين رياض، مدرس التاريخ الكهل، يقف أمام ملصق كتب عليه (ممنوع التظاهر بأمر الحاكم العسكرى 1919) والعلم الإنجليزى يحتل الجزء العلوى من البوستر، فيغضب المدرس ويمزق الإعلان، وقبل أن يهاجمه الجندى الإنجليزى بسونكى البندقية، ينقض عليه مجموعة من الشباب المصريين ليختفى من المشهد، وشرعوا على الفور فى تعليق بوستر آخر كتب عليه بالنص «إلى إخواتنا الطلبة المصريين.. الاجتماع اليوم بالأزهر 11/6/ 1919». وفى غرفة الدرس يفاجأ المعلم بطالب متحمس يوزع الثورة على زملائه بلسانه المفوّه، طالبًا منهم أن يشاركوا فى المظاهرات ضد الاحتلال، فيتذكر حسين رياض الطالب مصطفى كامل، الذى كان أحد تلاميذه فى زمن سابق، وتبدأ من هنا العودة إلى الماضى، لنطالع قصة حياة الزعيم الشهير. أما بالنسبة للأفلام الوثائقية فهناك فيلم محمد بيومى «عودة سعد زغلول» ضمن جريدة آمون السينمائية، إنتاج 1923، ويتضمن الفيلم مشاهد نادرة عن عودة الزعيم سعد زغلول من منفاه. ويصف محمد بيومى وهو أول مصرى يقوم بتنفيذ هذا الشريط كاملا، اصطفاف الجماهير من كل الفئات وتدافعهم فى مشاهد أخرى، وصوت سيد درويش وهو يغنى «سالمة يا سلامة»، و«بلادى بلادى». وبيومى هو فنان تشكيلى ومصور ومخرج وزجال وصحفى وضابط جيش، وهو أول مصرى يقف خلف كاميرا؛ ليسجل وقائع الحياة المصرية بعين وحس مصريين. ولد بيومى فى الثالث من يناير سنة 1894م فى مدينة طنطا، وعمل وهو فى الثالثة عشرة من عمره فى محل لتصليح الساعات فى أثناء العطلة الصيفية، بالإضافة لقيامه بالرسم وشرائه آلة للتصوير الفوتوغرافى والتى كان يُصور بها زملاءه فى المدرسة لقاء مبلغ مالى. بدأ الحس الوطنى لدى محمد بيومى فى سن مبكرة، حيث بدأ الانخراط فى الحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى كامل، وقبل حصوله على الشهادة الابتدائية فى 1911م بدأ يقرأ مؤلفات مصطفى كامل، ويحضر الفعاليات التى كانوا يقومون بها والتى ركزت على المبادئ الوطنية والنقمة على الاحتلال. درس بيومى فى برلين السينما وحصل على عضوية اتحاد السينمائيين المحترفين بالنمسا وعاد سنة 1923م؛ ليؤسس أول استوديو سينمائى مصرى باسم (آمون فيلم). وكان أول ما صوره من جريدة آمون السينمائية هو «عودة سعد زغلول من المنفى الثانى فى جزيرة سيشيل» وكان بيومى يطمح لتسويق جريدة آمون فى الخارج ولا توجد أدلة على نجاحه فى هذا. واستأنف تصوير أعداد جريدة آمون السينمائية وصور سعد زغلول وهو يطل من شرفة بيت الأمة وافتتاح مقبرة توت عنخ آمون وجنازة السير لى ستاك والعديد من المواضيع.