فى الوقت الذى اعتبر فيه معظم المراقبين أن مشروع ترامب فى الشرق الأوسط خمد تماما امام الرفض الفلسطينى والاستنكار والشجب الدولى وأن الولاياتالمتحدة اكتفت بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل وأن كل ما تمارسه من مضايقات ضد الفلسطينيين بإنهاء قضية اللاجئين، وإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لتكثيف الاستيطان فى الضفة الغربية. ومحاولة فصل القطاع عن الضفة الغربية عبر حلول إنسانية هو مجرد ردة فعل لفشل الصفقة، فإن الإدارة الأمريكية وعلى رأسها ترامب تبدو عازمة على فرض الحل الاحادى على الأرض الذى يلبى كل الاحتياجات الإسرائيلية ولا يقترب من الحد الأدنى من احتياجات الفلسطينيين، والأهم انه ينهى حل الدولتين ويثبت الوضع الراهن باستمرار الاحتلال مع سلطة حكم ذاتى لتسيير شئون الفلسطينيين. وتصر الولاياتالمتحدة على المضى قدما فى بلورة صفقة القرن رغم التحديات التى تواجهها، وعلى رأسها الرفض الفلسطينى لها وعدم حماسة المجتمع الدولى وخصوصاً الاتحاد الأوروبى والصين وروسيا لها، بالإضافة إلى المشاكل الداخلية التى يواجهها ترامب، والمشاكل الداخلية التى يواجهها نتنياهو مع احتمالات تصاعد المقاومة الفلسطينية. خاصة فى ظل وجود صعوبة فى قبول أى طرف فلسطينى بالمشاركة العلنية فى التفاوض بالإضافة إلى أن ثمة إجماعا شعبيا ورسميا على رفضها. تقدير إستراتيجي وكان مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات فى بيروت قد أصدر تقديرا استراتيجيا يستطلع الآفاق المستقبلية ل «صفقة القرن» أظهر أن الإدارة الأمريكية تسير نحو الكشف الرسمى عن بنود «صفقة القرن» خلال سنة 2019. رغم أنه منذ الحديث عن صفقة القرن لم يتم الإعلان عن «نص رسمي» لبنود هذا المشروع، ويبدو أن إخفاء بنود الصفقة حتى الآن بعد مرور أكثر من سنتين على أول إشارة إليها، يستهدف إيجاد بيئة سياسية مواتية فى المستوى المحلى الفلسطينى الإسرائيلى والمستوى الإقليمى العربى بشكل خاص والمستوى الدولى بشكل عام، من خلال إقناع الأطراف بالبنود واحداً تلو الآخر، ثم الإعلان عن الصفقة بعد ضمان قدر كافٍ من الترويج لها بين الأطراف الأساسية. ويمكن تحديد عدد من المؤشرات التى تشكل البيئة التى يسعى الرئيس الأمريكى ترامب لصنعها لتوفر النجاح لمشروعه، وتتمثل فى جوهرها فى إيجاد ميزان قوى محلى وإقليمى ودولى يجعل من رفض الصفقة أمراً متعذرا، وحسب تقرير المركز من الضرورى العودة إلى التحليل النفسى لشخصية ترامب خصوصاً فى أدائه التفاوضي، فقد أجمعت التقارير على أن ترامب «شرس» فى توظيف كل أدوات القوة التى لديه من بداية التفاوض، وتتجلى خطوات الإدارة الأمريكية الحالية فى إعداد البيئة التفاوضية فى عدد من المؤشرات التى سيكون لها انعكاسها على نتائج أى تفاوض، منها تشكيل فريق تفاوضى أمريكى بقيادة صهره كوشنر والضغط الدبلوماسى والمالى المتواصل على كل من السلطة الفلسطينية وقطاع غزة، وعرقلة القرارات الدولية فى مجلس الأمن الدولى باستخدام الفيتو ضد القرارات التى تعترض عليها إسرائيل و تأجيل الكشف عن نصوص «الصفقة» إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية فى أبريل القادم. وحسب التصريحات الإعلامية والتسريبات التى جرت، فإن أخطر بنود الصفقة ستكون عدم التمسك بالضرورة بحل الدولتين. وترك موضوع إقامة دولة فلسطينية إلى جانب «دولة إسرائيل»، أو التوجه نحو دولة واحدة ولطرفى النزاع ان يقررا ما يناسبهما فى هذا الشأن. والكيان الفلسطيني، أياً كان شكله النهائى سيقوم على مساحة تتراوح بين 40-60% من مساحة الضفة الغربية، غير أن تسريبات جديدة تحدثت مؤخراً عن 90% من مساحة الضفة، وأن تكون بعض ضواحى القدسالشرقية هى عاصمة للفلسطينيين، بينما القدس بكاملها عاصمة لإسرائيل. مع ترك مناطق المقدسات الإسلامية فى القدس التى تخضع للسيادة الإسرائيلية لإدارتها بدول إسلامية. على أن يكون الكيان الفلسطينى المقترح منزوع السلاح ويقتصر على أجهزة أمنية بتسليح يتناسب مع مهمات الحفاظ على الأمن الداخلي، وضم الكتل الاستيطانية الإسرائيلية الرئيسية فى الضفة الغربية لإسرائيل، بينما يتم تفكيك المستوطنات العشوائية أو إخلائها أو خضوعها لسلطة الكيان الفلسطيني.