تمر في التاسع من مارس الحالى 53 سنة على رحيل شيخ العربية أمين الخولي، أحد أبرز من نادوا بتجديد الفكر الديني وعبر عن ذلك في مؤلفاته مثل «المجددون في الإسلام» و«رسالة الأزهر في القرن العشرين» وغيرهما من المؤلفات التي جسدت رؤيته المستنيرة، والتي تجلت في قيامه بتدريس الفلسفة رسميًا في الأزهر، بعدما كان ينظر إليها على أنها رجس من عمل الشيطان. ومن المصادفات أن جمعتني جلسة علاجية بأستاذ طب القلب أ.د. إيهاب علي الخولي حفيد الشيخ، الذي لفت نظري إلى المناسبة وعدم إشارة الإعلام المصري لها فى السنو ات الماضية، برغم ما قدمه الشيخ للثقافة العربية، وما قدمته تلميذته التي صارت زوجته بنت الشاطئ من خدمات جليلة للغة العربية، إذ كانت بنت الشاطئ أول امرأة تحاضر بالأزهر الشريف، وأول امرأة عربية تنال جائزة الملك فيصل في الآداب والدراسات الإسلامية. وإذا كنت لم ألحق الشيخ لوفاته وأنا بعد صبي، فقد قيض لي أن أكون واحدًا ممن جاوروا بنت الشاطئ في الدور السادس بمبنى الأهرام القديم، وجلست معها أكثر من مرة، وكرمتني بالمشاركة في أكثر من تحقيق أدبي ولغوي نشرته في الأهرام. لم يكن الأدب والفكر وحدهما اللذان جمعا الشيخ بتلميذته النابغة، بل أيضًا جمع بينهما قصة حب كانت محط انتباه الوسط الأدبي والثقافي ولم تمر بسلام، إذ كانت فرصة لأعداء الشيخ للإساءة إليه وإلى تلميذته، إلا أنهما ضربا بالغمزات والشائعات وفارق العمر الذي يصل إلى 18 سنة عرض الحائط، وتزوجا وأنجبا 3 أولاد، وعاشت بنت الشاطئ بعد وفاة الشيخ - وكانت لا تزال شابة - وفية لذكراه إلى أن لاقت ربها عن عمر يناهز 86 عامًا. اجتمعت قمتان فانبثق العطاء شامخًا، إذ توافرت للشيخ على ما يقول د. حسين نصار - كل الظروف المواتية والعناصر الفكرية التي تجعله بحق من أصحاب الفكر التجديدي، فقد تميز بحيوية عقلية وعملية، واتصل ببيئات معنوية متعددة أخصبت تجربته الفكرية، ومنها أنه تخرج في مدرسة القضاء الشرعي، وكانت قلعة الثقافة آنذاك، لذا كان نتاجه غزيرًا، إذ كتب في عديد من الصحف والمجلات وأصدر العديد من الدراسات والأعمال الإبداعية، كما أسس جماعة الأمناء عام 1944م، ومجلة الأدب عام 1956م، ولكفاءته وما قدمه من عطاء اختير عضوًا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1966م. وقد سردت بنت الشاطئ حكايتها مع أستاذها الذي أحبته وتزوجته في كتابها على الجسر، وجاء في مقدمة كتابها تحت عنوان أسطورة الزمان: كنا الواحد الذي لا يتعدد، والفرد الذي لا يتجزأ، وكانت قصتنا أسطورة الزمان، لم تسمع الدنيا بمثلها من قبل، وهيهات أن تتكرر إلى آخر الدهر. يرحم الله أستاذنا أمين الخولي، وزوجته د. عائشة عبد الرحمن «بنت الشاطئ»، إذ قدما للثقافة العربية الكثير، ولعل المجلس الأعلى للثقافة يكرمه في هذه المناسبة بندوة تقدمه للأجيال التي لم تعاصره. لمزيد من مقالات أسامة الألفى