الشخصى هو السياسي: كان شعار مهرجان برلين السينمائى هذا العام. وهى حجّة سياسية استُخدمت كشعار حاشد فى الحراك الطلّابى والموجة النسوية الثانية منذ أواخر ستينيات القرن العشرين، وأكّدت العلاقات بين التجربة الشخصية والبنى الاجتماعية والسياسية الأكبر منها. الافلام المتنافسة فى المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائى، الذى انتهى منذ أيام، كان بها الكثير من الشخصى الذى يعكس الكثير من السياسى. ربما على رأسها الفيلم الصينى «ابنى طويل جدا» زانج زياشوا الذى حصل على جائزتى التمثيل رجالا ونساء فى سباق «الدب» وهو رمز جوائز مهرجان برلين. يحكى الفيلم القصة المركبة لأكثر من عائلة صينية خلال اربعة عقود، يرصد من خلالها المخرج أبرز ملامح التغير السياسى والاجتماعى بالصين. هى قصة الولدين زينج زينج وشين هاو وعائلتيهما. والدا احدهما كانا عاملين فقيرين فى احد المصانع فى الثمانينيات. وتطور الحال واغتنى من كانوا فى محيطهما واصبحوا اغنياء بعدما تطورت الصين اقتصاديا. بينما أجهضت الاخرى حملها لكيلا تتعرض لعقوبات فى ظل سياسة الحكومة الصينية عدم الاحتفاظ بأكثر من طفل واحد لكل اسرة. وصفت حبكة الفيلم من نقاد برلين بأنها اشبه بالزجزاج، اى انها متعرجة ومتداخلة. تختفى اطراف كل قصة فى حدود الاخرى، وتتشابه المصائر ثم تتعقد، فيغيب الوضوح ويزداد التشويق. مساحات ضخمة من المشاعر المركبة على خلفية تاريخية محكمة ومشاهد طويلة زمنيا ولقطات واسعة ويانورامية، لكن المخرج لم يقع فى فخ الميلودراما, وحافظ على قدرته الهائلة على ربط العام بالخاص او بالأحرى ربط الخاص بالسياسى. جائزة الدب الفضى لأفضل مخرج حصلت عليها المخرجة الالمانية مارلين شانيك، عن فيلمها «أنا بالمنزل..لكن» الذى رآه بعض النقاد والسينمائيين قطعة فنية فريدة او ما يسمى ماستر بيس، بينما رآه الآخرون فيلما لا يستحق.لكنه كان مثل منافسه الصينى كتلة من المشاعر. يحكى عن سيدة مازالت مجروحة الروح بسبب موت زوجها رغم مرور عامين على رحيله. يرحل ابنها المراهق لقضاء اسبوع بالغابة مما سبب له إعاقة خفيقة. اختها الشابة علاقتها مضطربة مع امها. تبدو كل الشخصيات مشدودة وغير مستريحة وكأن هناك سببا غامضا يملأ حياتهم بالتوتر. والعلاقات المتأزمة والشعور بالاختناق يسيطران على الاحداث. والحوار ثقيل، واحيانا صمت مضجر تصل مدته المتواصلة الى ثمانى دقائق. الأم تتجه الى منتهاها وارواح يضيق بها كل شىء. والصورة حادة ومؤلمة بألوانها وقتامتها. أما جائزة افضل سيناريو بالبرليناله فقد فاز بها فيلم بيرانهاس للمخرج الايطالى كلاوديو جيوفانيزى وهو المأخوذ عن الرواية المتصدرة المبيعات للكاتب روبرتو سافيانو الذى كتب من قبل الفيلم الناجح جومورا. الاحداث فى مدينة نابولى المليئة بالعصابات والحكاية عن نيكولا الرئيس لإحدى العصابات والذى يبلغ من العمر 15 عاما، لكنه وصل لقمة العنف والتوحش والسلوكيات الإجرامية رغم سنه. جمال الفيلم كما قال أغلبية النقاد فى طرحه مسألة البراءة فى هذا العالم، وقدرة الظروف الاجتماعية على أن تقتلها فى مهدها وتشيعها الى مثواها الاخير. يقينا ان هذا الزمن يقتل البراءة ويغتال الطفولة، ليس فقط فى اتجاه الإجرام لكن فى اتجاه انحسار مشاعر السلام و الطموح المشروع المفترض فى هذه السن. مراهق مجرم كبطل الفيلم و محارب طفل فى افلام اخرى كفيلان بان يثبتا أن العالم يتغير للأسوأ. «نحن لطفا» عبارة يذكرها نيكولا طوال الوقت، لكننا نجده ينقل أسلحة تارة ويقتل بعدها بقليل. ومدينة نابولى الرائعة التى لا يبدو ظاهرها يحمل اى عنف، تدارى فى شوارعها الضيقة وخلف ابوابها عالما من السواد وأطنانا من القتلى. رواية اخرى ذائعة الصيت حصلت على جائزة افضل إسهام فنى فى مسابقة برلين، وهى الرواية النرويجية سرقة الجياد التى كتبها بير بترسون و اخرجها للسينما هانز بيتر مولان. «نحن هنا فى عالم الرجال حيث العلاقات هى الاخرى عميقة وغائرة احيانا. الآباء دائما عظماء» هكذا يقول الأب لابنه عندما تقاعد فى الريف النرويجى وهو يحمل على كتفه ذكريات تثقل كاهله. التصوير المذهل للفيلم والملىء بالابهار البصرى ساعد على إظهار المشاعر الدفينة و أظهر كيف أن الجرح الذى لم يندمل يظل ينزف طول العمر.الرجل يتذكر كيف كان يفضل الوقت فى هذا المنزل الريفى ثم تنسال أمامنا كل التجارب الصعبة التى لاقاها فى حياته. أناس يتألمون بعنف وعالم قاس هو العنوان الرئيسى لتلك الأفلام، هل السبب هو الزمن الصعب ام نفوسنا التى تعقدت أكثر؟! لمزيد من مقالات د. أحمد عاطف دره