انتهاك للدستور أم حق رئاسى شرعى ؟ سؤال ضمن عشرات الأسئلة التى تطرح نفسها حول إعلان الرئيس الأمريكى «العنيد» دونالد ترامب حالة الطوارئ الوطنية لتمويل الجدار الذى يريد بناءه على الحدود مع المكسيك تاركا الساحة السياسية الأمريكية غارقة فى حالة عنيفة من الجدل والانقسام وتبادل الاتهامات. وللتعرف على مدى شرعية قرار ترامب ودور الكونجرس وصلاحياته فى هذه المعركة الجديدة يجب أولا توضيح ما هى حالة الطوارئ الوطنية وكيف حددها الدستور والقانون الامريكي؟! وفقا لقانون الطوارئ الوطنية لعام 1976، يحق للرئيس الأمريكى إعلان حالة الطوارئ من دون الرجوع للكونجرس عندما يرى الرئيس أن البلاد تواجه خطرا أو أزمة وطنية تستدعى ذلك. ولكن القانون لم يقدم تعريفا واضحا لكلمة» طوارئ» كما لم يحدد حالات بعينها يحق للرئيس عندها إعلان الطوارئ تاركا ذلك وفقا لتقديرالرئيس. وبالنسبة لترامب فإنه يرى أن الوضع على الحدود الأمريكية يمثل خطرا داهما على أمريكا بسبب تدفق عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الذين يرى ترامب أنهم سبب ارتفاع الجريمة وانتشار المخدرات فى البلاد. ويتطلب إعلان الطوارئ أن يبلغ الرئيس الكونجرس بوجود تهديدات غير طبيعية وخطيرة على الأمن القومى والمصالح الأمريكية تستوجب عليه إعلان الطورائ، كما يتطلب أن يقدم الرئيس أدلة ووثائق على ذلك التهديد. وهنا يكمن الجدل فى أن البعض يرى أن الوضع على الحدود الأمريكية لم يصل إلى حد الأزمة الوطنية وأن ترامب لم يقدم للكونجرس أدلته التى استند عليها لاعتبار الوضع على الحدود الأمريكية وصل إلى مرحلة تهديد الأمن القومى الأمريكي. وتمنح الطوارئ الرئيس الأمريكى صلاحية التصرف فى جزء من المخصصات المالية التى أقرها الكونجرس لوزارات ووكالات الفيدرالية بحيث يمكنه تحويل جزء من هذه المخصصات لتمويل إجراءات طارئة لمواجهة أزمات أو مخاطر تهدد أمن البلاد. وتفيد الأنباء أن ترامب ربما سيلجأ لجزء من المخصصات العسكرية لتمويل بناء الجدار. وتاريخيا، تم إعلان الطوارئ 58 مرة خلال فترات تعرضت خلالها الولاياتالمتحدة لتهديدات غيرعادية مثل أزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين فى إيران عام 1979 وعقب أحداث 11 سبتمبر2001. وقد سبق أن أعلن الرئيس بيل كلينتون الطوارئ 17 مرة وجورج بوش الابن 12 مرة والرئيس باراك أوباما 13 مرة وأغلب تلك القرارات كانت تتعلق بفرض عقوبات مالية على عناصر أجنبية أو إرهابية تمثل تهديدا للأمن القومى الأمريكي. ولكن إذا كان للرئيس هذه الصلاحيات الفضفاضة فى إعلان الطوارئ فما هو دور الكونجرس؟ يحق للكونجرس إلغاء إعلان الرئيس للطوارئ من خلال قرار مشترك بين مجلسى النواب والشيوخ .ولكن وفقا للقانون الأمريكى يحق للرئيس أيضا استخدام حق النقض «الفيتو» ضد قرارات الكونجرس إذا كانت تلك القرارات قد تم تمريرها بأغلبية بسيطة وليست مطلقة (أى ثلثى الأصوات) فى كلا المجلسين. أى أنه حتى ولو عطل الكونجرس إعلان الطوارئ فإن ترامب يمكنه استخدام «الفيتو» ضد هذا التعطيل ، وهنا لن يكون أمام نواب الكونجرس – وتحديدا الديمقراطيين المعارضين- حل إلا أن يحصلوا على أصوات الأغلبية المطلقة فى المجلسين لوقف الطوارئ وهو ما يبدو مستحيلا فى ظل سيطرة الجمهويين على مجلس الشيوخ. الحل الأخير أمام المعارضين هو اللجوء إلى القضاء برفع دعاوى قضائية ضد قرار الطوارئ وهى معركة طويلة الأمد. ومن أشهر المعارك القضائية ضد قرار الطورائ كانت عام 1952، عندما حاول الرئيس الأمريكى هارى ترومان استخدام صلاحيات الطوارئ لتأميم صناعة الصلب خلال فترة الحرب الكورية ، وبالفعل خسر ترومان القضية وقضت المحكمة بإلغاء إعلان الطوارئ.