على الرغم من أن الفنون تعمل على توحيد الشعوب ونشر الثقافات والسلام وإزالة الحدود بين الدول والأجناس المختلفة، إلا أن الإنسان يجد طريقه دائما لإيجاد صراعات ليس فقط فى ساحات السياسة والاقتصاد، ولكن أيضا فى مجال الفنون. فلدى إعلان فرنسا، منذ أكثر من عام، إقامتها معرضا دائما للوحات الفنان الإيطالى العظيم ليوناردو دافنشي، فى ذكرى مرور 500 عام على وفاته، اندلعت حرب كلامية بين إيطالياوفرنسا، بدعوى التهميش الفرنسى لإيطاليا. وبالبحث نجد أن هذا الصراع ليس وليد اللحظة ولا حتى نتيجة للأزمة السياسية بين البلدين، حيث إنه صراع تاريخى على الفنون يعود تاريخه لبداية القرن الثامن عشر والقائد الفرنسى نابليون بونابرت. فقد اتهم الجانب الإيطالى فرنسا بأن بونابرت كان أول لص سرق لوحات الفنان الإيطالى دافنشى ليقيم أكبر معرض للفنون وهو متحف «اللوفر» فى وقتها. وقال عدد من المؤرخين الإيطاليين إن بونابارت أراد أن تكون باريس عاصمة للفنون فى العالم، ولذلك سخر جنوده خلال حملاته لتجريد إيطاليا من لوحاتها لعرضها فى متحفه الجديد. وكان بونابرت - قبل تنصيبه إمبراطوراً عام 1804 – قد تم تكلِّيفه من قبل المجلس التنفيذى (1795 - 1799) بجعل فرنسا تهيمن على مجال الفنون الجميلة، خصوصاً من خلال متحف اللوفر الذى كان من المزمع أن يضم أشهر الأعمال الفنية على الإطلاق. وفى عام 1811، أصدر نابليون مرسوماً يأمر فيه بجمع جميع اللوحات والقطع الفنية من المبانى العامة فى روما ومحيطها.وبعد خمس سنوات، إثر تنحى نابليون، أعيدت بعض الأعمال الفنية إلى إيطاليا. وعلى الجانب الآخر، أكد عدد كبير من المؤرخين الفرنسيين وعلى رأسهم بسكال بريويست أن كل ما تزعمه إيطاليا حول قيام فرنسا بسرقة الفنون واللوحات الايطالية ما هو إلا كذبة كبيرة. وأكد أن كل اللوحات والقطع الفنية الموجودة فى فرنسا حصلت عليها باريس من خلال مزادات أو بيعت لها بشكل شرعي. وأكد بسكال أن فرنسا لديها الوثائق التى تؤرخ عمليات الشراء الشرعية. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، لوحات دافنشى انتقلت معه عندما انتقل دافنشى للإقامة فى باريس عام 1515، وذلك تحت رعاية الملك فرانسيس الأول، الذى احتضنه وقدم له مقرا للإقامة بالقرب من قصره. وكان يمنحه دخلا شهريا كبيرا لكى يتفرغ لفنه ورسوماته، وذلك إلى أن توفى دافنشى عام 1519. وعاش دافنشى فى باريس حوالى 4 سنوات بسبب ما عاناه من اضطهاد فى مسقط رأسه روما، وذلك بسبب تفضيل البابا وقتها لأعمال الفنان مايكل أنجلو والذى كان من الفنانين الناشئين وقتها. كما أن الموناليزا الشهيرة كانت قد سرقت من متحف اللوفر فى 1911 من قبل أحد العاملين الإيطاليين فى المتحف، إلا أن فرنسا تمكنت من استعادتها بعد ثلاث سنوات. ويبقى الصراع التاريخى بين فرنسا عاصمة الفنون وإيطاليا منبع الإبداع قائما لسنوات وسنوات قادمة، وذلك لعدم وجود أدلة قاطعة حول حقيقة أى من القصتين ومدى صدقهما، فيما يخص أصول أعظم اللوحات والقطع الفنية فى العالم.